سنحت لي الفرصة مؤخرا لقضاء يومين مع زملائي في مكتب الأردن، الذين وافقوا مشكورين على استضافتي بعد اجتماع إقليمي. وأتأمل من مدونتي هذه أن أرد لهم الجميل عن طريق نقل قصصهم للعالم، وأتمنى أن تساعدني أنا أيضا في استيعاب ما رأيت وما سمعت، وفهم المغزى من عملنا على المستوى العالمي.
نمى عمل اليونيسف في الأردن بشكل كبير منذ اندلاع الأزمة السورية سنة 2011. فما كان في وقت من الأوقات مكتبا استراتيجيا صغيرا يركز على ضمان وصول الخدمات للأطفال والأسر المهمشة في دولة مستقرة ومزدهرة بشكل عام، تحول الآن إلى برنامج يتضمن مكونا إنسانيا ضخما يساعد في استيعاب تدفق اللاجئين السوريين، الذين وصل عددهم إلى 630,000 حسب آخر إحصاء، 52% منهم أطفال. ترحب الحكومة الأردنية والشعب الأردني باللاجئين، ولكن الوضع الحالي يزيد من الضغط على الخدمات الاجتماعية في البلاد.
وتعد التحويلات النقدية الموجهة للأطفال جزءا أساسيا من الاستجابة للأزمة التي تدعمها اليونيسف، والتي بدأ بموجبها من بداية العام توفير مبلغ شهري لأطفال الأسر اللاجئة الأقل حظا من سوريا والذين يعيشون لدى المجتمعات المضيفة في الأردن. يعيش 84% من اللاجئين لدى المجتمعات المضيفة، بينما يقيم الباقون في مخيمات اللاجئين، ولا يشملهم هذا البرنامج. يبدو الأثر الإيجابي لهذه التحويلات واضحا كالشمس على أطفال اللاجئين الأقل حظا، فبفضل نظام المتابعة الراسخ الذي طوره المكتب القطري: والذي ترد تفاصيله في تقريرهم: شرفة أمل: تقرير متابعة ما بعد التوزيع. يوضح هذا التقرير كيفية صرف أسر اللاجئين السورية للتحويلات النقدية، وتأثيرها على حياة الأطفال بالاعتماد على فئات مستويات الفقر في الأردن (حيث يعد “الفقر المدقع” أحدَّ أشكال الفقر).
يبين الرسم البياني كيف تساعد تحويلات اليونيسف الأطفال والأسر في تجنب آليات التحمل السلبية أو وقف اللجوء إليها. وكان أهم تغيير هو انخفاض معدلات بيع قسائم الطعام أو استبدالها بأشياء أخرى، ومن ثم الاقتراض، الأمر الذي يبين حاجة الأسر الواضحة للمال لتغطية احتياجاتها الأساسية.
التقينا بأسرة تستفيد من هذه التحويلات؛ أسرة رحمن، المؤلفة من عبد وكلثوم (تم تغيير الأسماء لحماية هويتهم) وأطفالهما الأربعة، ثلاثة منهم كانوا اليوم في المنزل: رافي، 14 سنة؛ صبحة، 9 سنوات ونفيسة، 4 سنوات، بينما كان أحمد الأخ الأكبر في المدرسة. كان رافي وصبحة هادئين، ولكنهما بديا في ذات الوقت مطمئنين وواثقين من أنفسهما، فكان من السهل أن ندفعهما للابتسام، خاصة عندما علّق زميلي جواد على قصة شعر رافي العصرية، وأوضح أنه حاول اعتمادها ولكنها لم تلائمه كما تلائم رافي. ولكن الحزن كان باديا على نفيسة، التي كانت كأنها تفهم تماما معاناة أسرتها.
رحبوا بنا في غرفة نظيفة فيها بعض قطع الأثاث – وقادونا بحسب عادات الضيافة العربية، لنجلس على الأريكة. ووضحوا لنا على الفور أن كل قطعة أثاث هنا هي من جيرانهم الأردنيين – فقد تركوا جميع أشيائهم وأثاثهم في سوريا، ولذا ساعدهم الجيران بما يستطيعون بالرغم من أنهم غير ميسوري الحال.
لن أنسى حديثي معهم بسرعة: قصة هربهم المروع من سوريا سنة 2012. وبالرغم من أن اثنان من الأطفال هم في سن المدرسة، إلا أنهما لا يذهبان إليها، فوالداهما يخشيان عليهما من التنمر الذي قد يواجهانه في طريقهما من وإلى المدرسة. وكانت هناك قصص إيجابية أيضا – فإضافة إلى الأثاث، روى لنا الزوجان كيف استقبلتهما أسرة لا يعرفانها من قبل في منزلهم خلال الأسابيع الأولى من وصولهم للبلاد. روى لنا عبد، وهو يتبسم، كم تحب نفيسة الحليب، وقد أحضر لها علبة حليب بعد أن وصل تحويل اليونيسف وطلبت منه أن يتآمر معها ولا يخبر إخوتها بذلك.
وكحال غيرهم من اللاجئين المسجلين، تتلقى أسرة رحمن تحويلات منتظمة من المفوضية السامية للأمم المتحدة للاجئين، والتي تساعدهم في تغطية نفقات معيشتهم، ويتلقون أيضا قسائم الطعام من برنامج الأغذية العالمي، ولكن قيمة هذه القسائم انخفضت مؤخرا. لا يسمح القانون الأردني للاجئين السوريين بالعمل، وكذلك القوانين في معظم الدول المجاورة. وفيما تبقى الأسباب وراء ذلك غير واضحة، إلا أنها تجعل اعتماد الأسر على ذاتها مستحيلا، ولذا فهي تضطر للاعتماد على المساعدات. كان عبد يعمل سائق سيارة أجرة في بلدته، وعمل في مصنع لفترة من الزمن عند وصوله للأردن، ولكنه توقف عن العمل عندما أدرك أن ذلك غير قانوني، ويقول: “لا أريد أن أخرق القانون هنا، فهم يعاملوننا بشكل جيد، وأريد أن أحافظ على كرامتي”. أخبرنا أنه يفتقد العمل ويفتقد أن يكون قادرا على إعالة أسرته. واعترف بخجل أنه يقبل أحيانا ببعض الأعمال البسيطة غير الرسمية هنا وهناك ليتمكن من تدبير أموره.
يوضح لنا عبد وكلثوم أن هذا التحويل جاء في وقته، حيث ارتفع إيجار المنزل – في ذات الوقت الذي تدنت فيه قيمة قسائم الطعام. فالإيجارات ترتفع في كل مناطق عمان، وفي مناطق أخرى من البلاد، الأمر الذي يعكس الطلب العالي على السكن، ويزيد من الضغط على الأسر الأردنية والسورية الفقيرة على حد سواء. بالنسبة لعائلة رحمن، مثلت هذه العاصفة تحديا حقيقيا بالنسبة لهم، حيث يتوجب عليهم إطعام أسرتهم وعدم خرق القانون في ذات الوقت. حتى أنهم بدؤوا بمناقشة إمكانية قطع الرحلة الشاقة عبر البر والبحر إلى ألمانيا مع أسر أخرى. فوالدا كلثوم وأختها ذهبوا إلى هناك من خلال البرنامج الرسمي لإعادة توطين اللاجئين الذي أعطاهم الأولوية نظرا لأن أختها معوقة. قدمت كلثوم طلب لم شمل، ولكن لم تصلها إجابة بعد. وفي الوقت الحالي تحاول العائلة الصمود، وأن تنقل صبحة ورافي إلى مدرسة يشعرون فيها بأمان أكثر، ولكنهم على الأقل قادرون الآن على ملئ بطونهم والإبقاء على سقف فوق رؤوسهم، والإبقاء على بعض الأمل في المستقبل.
تسمع قصصا مشابهة من أسر أخرى: حيث وجدت عمليات المتابعة التي تقوم بها اليونيسف أن 93% من المستجيبين ينفقون التحويلات النقدية الموجهة للأطفال على بند واحد على الأقل من البنود التي يحتاجها الأطفال. وكما يوضح الرسم البياني أدناه، ينفق معظمهم المنحة على المواد الأساسية كالملابس والأحذية والأدوية وتكاليف الذهاب للمدرسة.
من الواضح أن منحة الأطفال النقدية تلبي احتياجات ماسة، وتمكّن الأسر من الوصول لخدمات ضرورية. ويكمن التحدي في كيفية الاستمرار في تقديم هذه المساعدة. من هي الجهة المسئولة عن الاستدامة؟ وما الذي يمكن القيام به للحفاظ على قدرة المستفيدين على الوصول للخدمات؟ في يومي الثاني في عمان، عقد مكتب اليونيسف اجتماعا مع الحكومة والشركاء في مجال المساعدات الإنسانية والتنمية لمناقشة هذا الموضوع بالذات – حيث يحاولون في الحد الأدنى تحديد صلات بين المساعدات الطارئة ونظم الحماية الاجتماعية الموجودة في البلاد.
والخبر الجيد هو أن هناك مستوى عال من التعاون، حيث يتّبع جميع الشركاء الذين يوفرون الدعم للاجئين السوريين أسلوبا مشتركا في تقييم هشاشة الأسر لتحديد من يحتاج للمساعدة، ونفس النظام المصرفي لتوفير المساعدات، مما يزيد من كفاءة الكلفة. يوفر الشركاء أيضا الدعم للأسر الأردنية، وتدور حاليا العديد من النقاشات حول كيفية ضمان استفادة هذه الأسرة من نظم الخدمات الاجتماعية الموجودة الآن في البلاد. توفر الحكومة الأردنية الخدمات للاجئين – بما فيها الخدمات الصحية والتعليمية – بدعم من المجتمع الدولي. ولكن اللاجئين السوريين يشكلون 10% من سكان الأردن، ولا يسمح لهم بالعمل، ولذا فإن ضمان استدامة هذه الخدمات تبقى مسألة غير واضحة. وكان هناك إجماع في القاعة على أن الجميع يتحمل مسئولية مشتركة وأن على العالم بأكمله أن يقوم ما بوسعه للتصدي لهذه الأزمة.
آلكساندرا يوستور، رئيسية قسم الدمج الاجتماعي والسياسات في المقر الرئيسي لليونيسف.
المصدر: اليونيسف