مالك مكتبي مترفّعاً عن الإثارة: الوعي والعلم حصن القاصرات

جمعة, 12/02/2016 - 19:55 -- siteadmin

أوّل من أمس، فتح مالك مكتبي عبر lbci ملفاً حساساً وملحاً. تزامناً مع الحملات التي تقودها مؤسسات المجتمع المدني والهادفة إلى تحديد السن الأدنى للزواج ورفعه إلى 18 عاماً، إضافة إلى إلغاء المادة 522 من قانون العقوبات اللبناني التي تعفي المغتصب من الملاحقة القانونية في حال تزوّج ضحيّته، خُصصت أحدث حلقات «أحمر بالخط العريض» (21:40) لزواج القاصرات، تحت عنوان «#لازم_ترجع_طفولتن».

أهمية الحلقة لا تكمن في اختيار الموضوع، فهذا البرنامج تحديداً كان سبّاقاً في خوض هذه القضية، وخصص لها في الماضي أكثر من حلقة أظهرت حالات قد يصعب على البعض تخيّل مجرّد وجودها. ما يميّز الحلقة فعلاً هو زاوية المعالجة، إذ جرى التركيز على مسألة «طلاق القاصرات» وأهمية التعليم. بأدائه الهادئ والبعيد عن الإثارة التي تخيّم على الشاشات المحلية، استقبل مكتبي ثلاث فتيات أُرغمن على الزواج المبكر وهن لم يتجاوزن الـ 13 عاماً. «يسرا» (15 عاماً)، أمّ لولدين أصغرهما لا يزيد عمره عن أيّام.

12 عاماً وستة أشهر، كان عمرها حين أُجبرت على الزواج من شاب لا تعرفه يبلغ 24 عاماً، لأنّ «هذه هي سنّة الحياة، وهيك عاداتنا وتقاليدنا». هذا ما قالته لها أمّها محاولة إقناعها بالعريس، كما أخبرتها عمّا يحصل في «الليلة الأولى». رغم خوفهما من هذه الخطوة، مارس الثنائي الجنس في هذه الليلة «لأنّهم قالوا لنا هذا ما يجب أن يحدث». الخطر رافق «يسرا» في حملها، إذ عانت في الولادة الأولى من نزيف حاد، قبل أن تتجاوز في المرّة الثانية شهرها التاسع «لأنّني لا أنا ولا والدتي كنّا نعرف إجراء الحسابات اللازمة».

رفضت «يسرا» تقبّل ابنتها البكر التي «بقيت مع والدتي أربعة أشهر. شعرت بأنّني صغيرة جداً على هذه المسؤولية. كنت أغار منها عندما أرى الجميع مشغولاً بها. فأنا بحاجة إلى هذا الاهتمام والدلال»! في عيني هذه الفتاة التي كبرت قبل أوانها الكثير من الحزن الذي لا تستطيع التعبير عنه إلا بالتأكيد أنّها ستحرص على ألا يُحرم ولداها من التعليم، وألا يتزوّجا باكراً.

«يسرا» لم تبكِ، لكن «شيماء» لم تستطع إخفاء مشاعرها، وهي التي حازت لقب «مطلقة» في سن الـ 13. الصبية التي تحلم في أن تصبح ممرّضة زوّجت إلى ابن عمّتها «الذي لا أطيقه وسبق أن حضرت زفافه يوم كنت في السابعة». تحمّلت «شيماء» مسؤولية «المنزل والزوج وولديه من زواجه السابق». تصف نفسها بأنّها «طفلة في جسد امرأة»، لتعود وتحاول مواساة نفسها بالقول: «ما حسيّتها صعبة... بس يعني ولد عم بربّي ولد. طلبت الطلاق لأنّه كان يخترع المشاكل، فقلت له لا أريدك».

كذلك الأمر بالنسبة إلى «عائشة» التي انفصلت عن زوجها بعد أربعة أشهر من «كتب الكتاب» لأنّه «خانها»، فالرجل يخون عندما «لا تنفّذ المرأة طلباته ولا تدلله». حرصت الفتاة على تأكيد رغبتها في اللعب وعدم تحمّل المسؤولية، موضحة أنّها تحلم في أن تصبح طبيبة أو مدرّسة. «نهى» والدة «شيماء»، و«يحيى» والد «عائشة»، كانا في الاستديو أيضاً. الأم تحدّثت عن العادات وكلام الناس وأنّ مصير الفتاة «منزل زوجها» حتى ولو تعلمّت. بدت المرأة غير مقتنعة بما تقوله، وقد نجح مالك في إظهار ذلك وندمها لأنّها لم تُكمل تعليمها.

في تقرير مصوّر، شاهدنا «شيماء» تعود إلى مقاعد الدراسة، بينما حصل مكتبي من والد «عائشة» على وعد بالسماح لها بإكمال تعليمها. هنا، لم يرض مقدّم البرامج اللبناني أن تكون نهاية القصّة «سعيدة وكليشيه»، فتوجّه إلى الرجل بالقول: «لم تقبل لأنّك مقتنع، بل لأنّني أنا من طلبت والناس شاهدون عليك». وقبل الانتقال إلى «بيار» الذي بقي لفترة طويلة يمتنع عن إرسال أولاده إلى المدرسة «خوفاً عليهم»، برز رأي مهم للمعالجة النفسية في منظمة «أبعاد» راغدة غملوش التي شددت على ضرورة توعية المجتمعات على مخاطر تزويج الفتيات وآثاره السلبية على صحتهن الجسدية والنفسية وواقعهن الاجتماعي، معتبرة التغيير صعباً، لكنّه مرتبط بشكل وثيق برفع سن الزواج وإلزامية التعليم معاً.

في هذه الحلقة المؤثرة التي عرّت جزءاً لا يُستهان به من مجتمعاتنا العربية الغارقة في الجهل والفقر والعادات والتقاليد البالية التي تهمّش المرأة وتنتهك حياتها، ابتعد مكتبي عن الاستعراض مرتدياً ثوب الإنسانية والوعي. من الواضح أن الإعلامي اللبناني في الموسم الجديد من برنامجه المستمر منذ أكثر من عشر سنوات يسلك طريقاً يقرّبه من المهنية ويبعده عن «الموضة التلفزيونية».

بقلم نادين كنعان

المصدر: الاخبار

Dislike
0