نسمع يومياً في جلسات ولقاءات العائلة والأقارب والأصدقاء، وبين الأمهات والأشخاص الذين يعملون في حقل التربية والتعليم عبارات كثيرة تشغل بالنا عن ما يسمّى بـ "طفل اليوم"، وصعوبة مقارنته بـ"طفل الأمس."
هل فعلاً تعتبر البيئة المحيطة بطفل اليوم معقّدة بشكل يختزل مفهوم الطفولة الحاضرة في عصر تقني مقيد ومعولم، أسير المفاهيم الجديدة حول أصول تربية الطفل ورعايته.
هل طفل اليوم أذكى من طفل الأمس؟ ومن قال أنّ طفل الأمس لا يفكر خارج الصندوق؟ وحياة من منهما أفضل؟
ويمجد طفل اليوم نفسه ولا يرضى بالقليل من الفرص المتاحة، ولا يتعامل مع المسؤوليات بجدية، ولا يتكيف مع الظروف المحيطة، ويصرخ عالياً إذ باعتقاده أن هذا الأسلوب يمّهد لتلبية رغباته، ويمارس حريات كثيرة بموجب قوانين واتفاقيات وليس بموجب العلاقات الإنسانية الطبيعية في مجتمع متكامل، تلتصق عيناه في شاشات افتراضية بشكل يومي، ولا يتنازل للخروج إلى الشارع لاكتشافه، ولا يريد أن يسمع من حوله، وينصت فقط إلى ذاته.
طفل اليوم يعاني من "التوحد" بسبب ما يفرضه عليه العالم المحيط به، وهو مقيد باتباع ما يقدّم إليه، ما يحكم السيطرة على عقله ورغباته وطموحاته ويضعه في قالب ضيق. هذا الطفل مركّب، يضيع الوقت في مجالسة مواقع التواصل في عوالم افتراضية، هو طفل مكيفات الهواء، يصيبه السعال إذا تنفس ذرة غبار، وتغريه النزهات في الأسواق التجارية المكيفة، ولا تكفيه التجارب البسيطة، وهو طفل اتكالي يعتقد أنه محور اهتمام هذا العالم.
أمّا طفل الأمس فكان أشبه بعصفور حر، طفل طبيعي ينتمي إلى المحيط بشكل متناغم، يتسلّق الأشجار، يقفز عن السرير ثمّ يسقط، يلعب بالتراب وتتسخ ملابسه، يفكّر لوحده، ويرضيه نور الشمعة لتأدية واجباته، يعتمد على ذاته، ويتعلّم من المحيط، ويخرج إلى الشارع ولا يخاف، أو يفكر بوجبات الطعام السريعة، ويبتكر ألعابه بنفسه. أفقه بلا حدود، وهو مبدع وباحث بامتياز، ويتمتع بقيم المشاركة. طفل الأمس يتفرغ لتلقي المعرفة والعلم شغله الشاغل، فتراه يحضر مجالس الكبار ويتعلّم منهم، فضولي ولكن بشكل أنيق، ولا يعاني من القلق او الاضطرابات، مبادر ويحترم الوقت.
ويمكننا القول بأنّ طفل الأمس كائن طبيعي ينتمي لكل ما هو حوله ويتماهى فيه، بل يكاد أن ينصهر في التمازج مع مجتمعه الصغير والكبير، على النقيض تماماً من طفل اليوم الذي يسيطر عليه حب الأنا.
وفي ظل كل تلك الاختلافات بين الطفلين، يمكننا القول بانّ الظروف اختلفت فعلياً ما عمق الفجوة بين طفل اليوم وطفل الأمس؟ لذا، هل يمكن أن نعتبر أن طفل اليوم يُعتبر سليماً وصحياً؟
يدفعني كل ذلك إلى الجزم بأنّ اختلاف تربية الأهل في يومنا الحالي، هي المحور الرئيسي في صنع تلك الفروقات بين الأطفال من الجيلين.
بقلم ليلى سلامة
المصدر: سي ان ان
أن الآراء الواردة في مقالات المدونة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر المركز الوطني للتوثيق حول الطفولة