في أثناء ذهابي إلى العمل اليوم، لم أستطع أن أمنع نفسي من ملاحظة الحالة المعتادة للمشهد. آباء وأمهات يسرعون لتوصيل أطفالهم إلى المدرسة قبل أن تُغلق البوابات. وتقترب حافلات صفراء تُقل تلاميذ أكبر سنًّا، يهبط معظمهم بحماس، وبعضهم على مضض، أدراجَ السلم حاملين حقائبهم المدرسية. وينطلق الركاب مسرعين إلى قطارات أنفاق نيويورك المزدحمة، ومنهم من يندفع في الشوارع المُكتظّة على الدراجات، أو في السيارات حيث يستمعون إلى أخبار الصباح.
وليس هناك ماهو أوضح من الهدف العام الذي يجمع بينهم جميعًا، وهو التعلم والتطور وكسب العيش الكريم في نهاية المطاف. ولكن ما أسهل أن يتحطم هذا المشهد والحلم بالنسبة لكثير من الأطفال والأسر.
ففي يومنا هذا، يعيش نحو 250 مليون طفل في مناطق متضررة من النزاعات، ويعيش أكثر من نصف مليار طفل في مناطق معرضة لخطر الفيضانات الشديد، بل يهدد التغير المناخي بتعريض المزيد منهم للخطر. علاوة على أن الأوبئة، مثل تفشي فيروس الإيبولا، تدمر حياة ومستقبل الأطفال.
فكيف نستطيع أن نتصدى بشكل أفضل لهذه الأزمات؟ كيف نستطيع تعزيز جهودنا الرامية إلى إعادة تلك الحياة الطبيعية والفرصة والأمل إلى هؤلاء الأطفال المتضررين أينما كانوا؟
حينما أصعد على متن الطائرة المتجهة إلى إسطنبول لحضور مؤتمر القمة العالمي للعمل الإنساني، فأنا أفعل ذلك على أمل أن تُحقق التعهدات آفاقًا أفضل ونتائج أطول أمدًا من أجل الأطفال الذين يعانون من الأزمات.
إننا في عالم العمل الإنساني كثيرًا ما نتحدث عن تكامل أعمال الطوارئ والتنمية، وكيف يمكن أن يساعد تحقيق ذلك على إيقاف تتابع الأزمات. ولكن ماذا يعني ذلك على أرض الواقع؟ ماذا يعني ذلك بالنسبة لطفل اضطر إلى الفرار من منزله بحثًا عن الأمان؟ أو طفل دمَّر الزلزال منزله ويعيش وحده في مأوى، أو أُسر عالقة في المنزل لا تستطيع أن تبرحه بسبب تفشي مرض خطير؟
في لبنان في العام الماضي، التقيت بآيات، وهي فتاة سورية انقطعت عن المدرسة لمدة ثلاث سنوات، منذ فرار أهلها من وطنهم. ومن خلال العمل الوثيق مع وزارة التعليم والمنظمات غير الحكومية المحلية، ساعد مكتب اليونيسف القطري على زيادة الفرص التعليمية غير الرسمية. وكانت النتيجة الفورية أن حضرت آيات أحد برامج التعلم السريع، وهي الآن تذهب إلى المدرسة مرة أخرى. وبدأت في إقامة صداقات في المجتمع، وبناء الثقة، والعودة إلى الحياة الطبيعية نوعًا ما. ويأتي التأثير الأطول أمدًا من المهارات التي تعمل آيات على تنميتها لكي تواجه الأزمة المستمرة على نحو أفضل ولكي تبني في نهاية المطاف مستقبلًا أكثر ازدهارًا.
والمُعلِّمون المُدرَّبون على تقديم الدعم إلى آيات، في إطار البرنامج، حسنوا خبراتهم لصالح جميع الأطفال في المجتمع على المدى البعيد. وفي الوقت نفسه أدركت وزارة التعليم قيمة التعليم البديل، بما في ذلك الدعم المنزلي، لمساعدة جميع الأطفال المنقطعين عن المدارس على العودة إلى التعليم الرسمي في جميع أنحاء البلاد. ووجود منظمة اليونيسف في البلدان قبل الأزمات وفي أثنائها وبعدها يجعلها قادرةً على دعم هذه العملية.
والأمر نفسه يحدث حينما نهيئ الأطفال والأسر على نحو أفضل بشأن كيفية التصرف في حالة وقوع كارثة طبيعية. أتذكر قصة صبي عمره 12 عامًا في نيبال نجا من الزلزال باتباع ما تعلمه في المدرسة خطوةً بخطوة – وهو أن يقبض على رأسه ويتكوَّر تحت مكتبه. أنُقذت روح، وقل التأثير على المجتمع.
إن صندوق “التعليم لا يمكن أن ينتظر” الذي سوف يُطلَق رسميًّا في مؤتمر القمة العالمي للعمل الإنساني سوف يساعد على إعطاء الأولوية للتعليم في حالات الطوارئ. فرغم فوائد التعليم البالغة الأهمية على المديين القريب والبعيد، فإنه لا يحظى في الأزمات الإنسانية إلا بتمويل قدره 2 في المائة في المتوسط. ويهدف الصندوق إلى جمع ما يقرب من 3.65 مليار دولار أمريكي في غضون خمس سنوات بحيث يستطيع 13.6 مليون طفل أن يلتحق بتعليم ذي جودة جيدة، مما يؤدي دورًا حيويًّا في تكامل عملنا الإنساني والتنموي.
إن الأطفال الذين التقيت بهم في البلدان المتضررة من الأزمات في جميع أنحاء العالم لم يعجزوا قط عن إدهاشي ونيل إعجابي. فقوتهم في مواجهة الشدائد، مثل إصرارهم على مواصلة التعلم رغم ما يواجهونه من عقبات ومخاطر، سمةٌ طبيعيةٌ لا بد أن ننميها ونعززها. الحلم البسيط الذي يتمثل في رحلة آمنة ويوم في المدرسة – طفولة عادية.
يجب ألا يُعرَّف الجيل القادم بالأزمات التي يمر بها، بل بما يحقَّق عبر المحن. إننا مسؤولون عن إتاحة الفرص لهم لتحقيق طموحهم في أن يصبحوا أطباء ومعلمين ومهندسين في المستقبل، لكي يتحقق للجميع مستقبلٌ أكثر استقرارًا وازدهارًا.
آفشان خان: مديرة برامج الطوارئ في اليونيسف
أمضت 25 عامًا في الأمم المتحدة، معظمها مع اليونيسف، تواجه بعضًا من أكبر الأزمات الإنسانية في عصرنا، بدءًا من زلزال المحيط الهندي وأمواج تسونامي وصولًا إلى البلدان المتضررة من النزاع السوري في الوقت الحالي.
المصدر: اليونيسف