..وفيما تتلبّد مواقع التواصل الإجتماعي بشعاراتٍ تندّد بأقاويل فناناتٍ وأخبارٍ تافهة تأخذ مساحة أسبوعين وأكثر فتتصدّر عناوين مجلاتٍ ويخصّص لها البعض الآخر نموذجاً للسخرية والصور المركّبة، يغفل كثيرون عن قضايا أكثر عمقاً وأهمية. قضايا فاسدة تخترق بيوتنا، تهدّد مصير أبنائنا لكن ما من رقيب ولا حسيب ولا مبالٍ. أن تغرّد إحدى الفنانات جملة لا تمثّل إلاّ حقيقتها، تأخذ حيّزاً واسعاً من اهتمام البرامج الاجتماعية والكوميدية حتى السياسية، لكن أن تخطف رصاصة طائشة فتاة في الثامنة من عمرها وهي على شرفة منزلها فتحرمها من براءتها، تمرّ أمامها أقلامنا وعناوين نشراتنا مرور الكرام. أمس الأول، وأثناء جنازة سيّدة في منطقة حالات (ما زالت ظروف موتها غامضة) أصيبت الطفلة باتينا رعيدي بطلقٍ ناريّ في منطقة قرطبون خرقت رأسها ففارقت الحياة ليلاً. وفيما يتمّ البحث من قبل الجهات المعنية عن المجرم الذي حرم باتينا طفولتها، إلاّ أن المذنب المباشر عن ظاهرة الرصاص العشوائي بات واضحاً.
أوّلاً أنتم أصحاب الدولة المذنبون الأوائل عن دم أيّ ضحيّة جراء هذه الظاهرة، أنتم وبسبب عجزكم عن بسط الأمن والأمان، أضحى الشارع متلفتا منكم وأنتم تقفون جانباً غير قادرين على ضبط الوضع. الرصاص العشوائي، حالة نشهدها في كلّ مناسبةٍ وفي أيّ منطقة حتى باتت ثقافة تطال طوائفنا كافة، من دون استثناء. بعد معاليكم، يأتي الإعلام المحلّي الذي باتت وجهته واضحة: كسب المال السريع وانحدار في المستوى الثقافي. أما الشعب الذي تمثّله دولة "فاسدة" منذ أكثر من ثلاثين عاماً، فيتأثر بإعلامٍ "مبتذل"، مسؤول أيضاً عن كلّ سقوطٍ عشوائي لشهداء الرصاص الطائش الذي لا يعفي منطقة إلا ويزور شرفاتها ومناسباتها السعيدة والحزينة.
في اختصار، أنتم من قتل براءة طفلةٍ تستفيد من عطلة العيد لتلهو، فـ"حطّم" قلب والدتها و"كسر" ظهر أبيها. أنتم من قتل باتينا رعيدي، فبدل البحث عن الجاني في أروقة المناطق التي تعتبر وجهة لسياستكم وحكمكم، وبدل التفاهات التي تغصّ بها مواقع التواصل الاجتماعي، إذهبوا وأنقذوا ما تبقى من براءةٍ في عيون بعض الأطفال قبل أن تخطفها رصاصات أخرى من صنعكم.
بقلم جيسيكا معماري - جريدة البلد