لا إنذارات، في الغالب، تصاحب متلازمة «كيو تي الطويلة» التي هي عبارة عن خلل جيني في نظام القلب الكهربائي. تبقى العوارض أسيرة اللجة التي تقود في كثير من الأحيان إلى الموت المفاجئ. وحده، السجل الطبي للعائلة المقربة قد يحمي من هذا العارض المفاجئ ويقود إلى تشخيص تلك المتلازمة قبل فوات الأوان
فجأة، يموت القلب. تتبعثر نبضاته ثم تتوقف إلى الأبد. هنا، في هذه الحالة، لا يعود جهاز الصدم الكهربائي ذات قيمة، فقد فات الأوان كثيراً على إعادة الحياة. هذا التوقف المفاجئ الذي يأتي في الغالب بلا إنذارات هو ما يطلق عليه الطب اسم «متلازمة كيو تي الطويلة»، أو «عطب» القلب الوراثي.
في الفترة الأخيرة، أخذ الموت أدريانا، طفلة الثلاث سنوات. أخذها على حين غفلة. لم تكن تعاني تلك الطفلة من أي عارض قد يكشف إصابتها. بعد موتها، وجهت والدتها ياسمينا الهبر رسالة يتيمة إلى الأمهات الجدد، طالبة منهن إعلام «طبيب أطفالكم ما إذا كان لديكم في العائلة المقربة مشاكل في القلب». هذه المعلومة الصغيرة قد تنقذ حياة كثيرين من عارض الموت المفاجئ، إذ يردّ الأطباء هذه الحالة في الغالب إلى العامل الوراثي. فهنا، في حالة متلازمة «كيو تي الطويلة» قد تساهم الإجابة عن السؤالين التاليين في تفادي الموت المفاجئ: هل سبق أن فقدت الوعي فجأة من دون سابق إنذار خلال ممارستك الرياضة مثلاً؟ وهل توفي أحد أفراد عائلتك فجأة وبشكل غير متوقع قبل سن الخمسين؟
الحسم بـ»نعم» هو بداية التشخيص لتلك المتلازمة التي لا تزال أسبابها الحقيقية مجهولة. وقبل الخوض في تلك التفاصيل، لا بد من تعريف هذا الداء الصامت. وبحسب القاموس الطبي، فإن متلازمة «كيو تي الطويلة» هي عبارة عن «خلل جيني في نظام القلب الكهربائي، وتعدّ أحد الاضطرابات الوراثية الكثيرة التي تصيب نبض القلب». وبتفصيل أكثر، في حالة المرضى الذين يعانون هذه المتلازمة، يعمل القلب بشكل سليم كعضلة وكمضخة، إلا أن نظامه الكهربائي يعاني خللاً يجعله يشحن نفسه ببطء وبطريقة غير فاعلة استعداداً للنبضة التالية. نتيجة لذلك، يصبح القلب عرضة لنبض سريع عشوائي قد يتسبب بإغماء مفاجئ، تليه نوبة عامة، أو حتى توقف القلب عن النبض، ما قد يؤدي إلى موت المريض.
هذه الحالة التي تصيب شخصاً من أصل 10 آلاف (بحسب منظمة الصحة العالمية) قد تأتي بلا مقدمات، إذ غالباً ما لا يعاني كثر من مرضى هذه المتلازمة من أي عوارض، ولا يعرفون مسبقاً أنهم مصابون بها. مع ذلك، ثمة إشارات تحذيرية قد يقود أخذها بعين الاعتبار إلى تجنب هذا الموت المفاجئ. ومن الضروري، في هذه الحالة، معرفة هذه الإشارات التي تشمل حالة إغماء مفاجئة لم يسبقها أي إنذار، وخصوصاً خلال ممارسة التمارين الرياضية أو عند الشعور بالإثارة أو الهلع أو أي نشاط يؤدي إلى دفقٍ من «الأدرينالين»، فضلاً عن وجود تاريخ عائلي يضم بعض الوفيات المفاجئة غير المبررة، ولا سيما أقارب صغار السن. كما يمكن أن يضاف إلى ذلك، الإسهال الحاد والتقيؤ الذي يسبب خسارة كبيرة للبوتاسيوم أو أيونات الصوديوم من الجسم، وكذلك اضطرابات الأكل وفقدان الشهية العصبي والشره المرضي واضطرابات الغدة الدرقية الشديدة، والتي تؤدي إلى فقدان البوتاسيوم من الجسم، وهو عامل أساسي من عوامل حدوث المتلازمة.
بعد تشخيص المرض، تنشأ ضرورة تقييم حالة كل أفراد العائلة بعناية. وهذا ما يوليه الأطباء الكثير من الأهمية، فبما أن ابنك يعاني هذه المتلازمة مثلاً، يجب أن تخضعي أنت وزوجك وباقي أولادكما لفحص دقيق. وهذا إجراء ضروري، حتى لو كان بقية أطفالك لا يعانون من أي شيء.
عوامل مكتسبة
لكن، ليست كل العوامل وراثية، وإن كانت هي الأكثر شيوعاً، فثمة عوامل مكتسبة أيضاً، يشير إليها الطب، وهي التي تأتي في ما بعد نتيجة لبعض «التدخلات»، وتحديداً بسبب تناول بعض الأدوية، منها على سبيل المثال لا الحصر:
أدوية الحساسية مثل مضادات الحساسية والاحتقان،
بعض مدرات البول
حبوب منع الحمل
بعض المضادات الحيوية،
بعض الأدوية المضادة للاكتئاب
أدوية خفض الكوليسترول
أدوية مرض السكري
بعض الأدوية التي تستخدم لعلاج عدم انتظام ضربات القلب أو إيقاعات القلب غير الطبيعية.
مع ذلك، قد يكون هناك في مقابل الجوانب المظلمة جانب مفرح، وهو أن التحكم بهذه الحالة ممكن. وهذه «ممكنات» في متناول اليد، إذ يجب أن ينام المريض جيداً ويتناول غذاء صحياً غنياً بالبوتاسيوم. والأهم من ذلك كله تفادي بعض الأدوية، من بينها أنواع محددة من المضادات الحيوية ومضادات الكآبة وغيرها من «الممنوعات» التي تجنب حادث الموت المفاجئ.
كما أن بعض أنواع الوقاية قد تتوافر في بعض البدائل؛ منها على سبيل المثال لا الحصر زراعة جهاز «مزيل رجفان» صغير يصعق القلب ليعيده إلى نبضه الطبيعي، إذا ما دعت الحاجة. وهنا، يخضع المريض لجراحة بهدف زرع هذا الجهاز في صدره بغية مراقبة نشاط القلب الكهربائي. وإن عانى القلب أي تبدّل في نبضه يهدد حياة المريض، يرسل الجهاز المزيل للرجفان صعقة كهربائية تعيد القلب إلى حالته الطبيعية.
بقلم راجانا حمية
المصدر: الاخبار
http://al-akhbar.com/node/278322