أعلنت شركة "ميتا" أنها تعتزم توسيع مزايا سلامة الأطفال التي تهدف إلى حماية الأطفال وتحديثها عقب انتشار تقارير مثيرة للجدل حول قيام المنصّات التابعة للشركة بتوصية محتوى جنسي للأطفال.
وتواجه الشركة ورئيسها التنفيذي مارك زوكربيرغ، دعاوى قضائية، من القضاء الأميركي، لفشل الشركة في حماية الأطفال من الاعتداءات الجنسية، والإغراء عبر الإنترنت، والاتجار بالبشر.
وأظهر تحقيق نُشر حديثاً كيف تمتدّ المشكلة إلى مجموعات "فايسبوك"، إذ يوجد نظام من الحسابات والمجموعات التي تستغلّ الأطفال جنسياً، ويضم بعضها نحو 800 ألف عضو.
الأطفال على هذه المنصّات مهدّدون على مستويات عديدة، نفسية وجسدية وأمنية. في هذا الإطار، ما التأثير النفسي لهذه المشاهد على الأطفال، وما سبل الحماية النفسية والتقنية لهم؟
الاستشارية في علم النفس الإكلينيكي، الدكتورة ناديا التميمي في حديثها لـ"النهار"، تشرح أنّ "المشاهد التي يراها الطفل قد تكون صادمة أو مثيرة أو جذابة بالنسبة إليه، وتترك لديه بصمة"، وقد يكتشف أحياناً أنّ هذه البصمة مخيفة أو غريبة، ويلجأ حينها إلى أهله لإخبارهم عمّا شاهد، إن كانت الحوارات مفتوحة بينه وبينهم ليسأل ويستفسر. بينما في غياب بيئة آمنة للحوار، يسكت الطفل، خصوصاً إذا وجد هذه المشاهد جذابة بالنسبة إليه، لكي يشاهدها مره أخرى، وهنا يكمن الخوف.
ولدى اكتشافهم تعرّض طفلهم لهذه المشاهد، تنصح التميمي الأهل بالتحلّي بالهدوء التام، و"الشرح للطفل أنّ هذه المشاهد ظهرت بالخطأ ويجب ألّا نشاهدها لأنّها تتضمّن مشاهد مزيّفة غير حقيقية".
وتفضّل الدكتورة التميمي في هذه الحال أسلوب الحوار المفتوح بين الأهالي والطفل، أي الذي لا ينتهي بإجابة نعم أم لا فقط. فمثلاً، يمكن أن يطرح الأهالي الأسئلة التالية على طفلهم: "ماذا رأيت؟ كيف فهمت هذه الصور؟ بمَ شعرت؟، جميعها أسئلة تدفع الطفل للتعبير أكثر عن كيفية فهمه للصور التي شاهدها، وكيفية استيعابه لها وشعوره تجاهها، وانطلاقاً من هذه المعلومات، يقوم الوالدان بتصحيحها بطريقة إرشادية وتوعوية وتوجيهية".
لكن ماذا عن تداعيات تعرّض الأطفال للمحتوى الجنسي على منصّات التواصل؟ سواء كانت المشاهد مخصّصة للكبار أو تلك التي أصبحت تُعدّ للأطفال خصّيصاً وتُبثّ لهم بطريقة جذابة، "التأثيرات السلبية عديدة وخطيرة"، تقول التميمي. فالصور التي تُنشر لا تعكس واقعاً حقيقياً في العلاقات سواء كانت بين جنسين مختلفين أو سواها. كما تحاول هذه الصور تطبيع المشاعر بحيث تصبح رؤية هذه المشاهد عادية ومقبولة.
ولدى رؤية هذه المشاهد، تتحرّك رغبة الطفل في تجربة "ما يراه، ما قد ينتج عن ذلك من اضطرابات سلوكية كثيرة وتجارب غير طبيعية أحياناً، وأحياناً أخرى استسهال بعض السلوكيات البعيدة عن العلاقات الصحيحة"، وفق التميمي، إذ إنّ مشاهدة هذه الصور تؤدّي إلى استثارة رغبات وشهوات معيّنة، فهذه الغريزة موجودة ونحاول تهذيبها لكن لا نستطيع كبتها.
بالتالي، "سيلجأ الطفل إلى التجربة التي ليست متاحة دائماً وبسهولة، لذلك قد يتصيّد الأطفال أطفالاً أصغر منهم وقد يتقبّلون علاقات غير سليمة مع أشخاص أكبر منهم سناً".
وإن لم يتوفّر هؤلاء الأشخاص خلال مشاهدة هذه الصور وفي الوقت المطلوب، فقد يتّجه الأطفال إلى بعض الممارسات الفردية كممارسة العادة السرية والتعرّف إليها في عمر صغير جداً وبالتالي الإدمان عليها. والإدمان على هذه الممارسات، بحسب التميمي، "قد يؤثّر على علاقة زوجية صحيحة قائمة في المستقبل بين الرجل والمرأة".
كيف نحمي أطفالنا من هذا المحتوى؟
ترفض التميمي إعطاء الجوال للأطفال بشكل مستقل قبل سن الـ15. وفي ظل الاعتماد الكبير اليوم في الدراسة المدرسية على الأبحاث عبر الأجهزة الإلكترونية، "لا بدّ من تخصيص جهاز واحد فقط لجميع أفراد العائلة في مكان مشترَك ومفتوح ومتاح للجميع في المنزل، وتزويد هذه الأجهزة ببرامج لمراقبة جميع الصفحات التي يدخل إليها الأطفال على هذا الجهاز"، بحسب التميمي. وتشدّد على "البيئة الآمنة التي تعزّز الحوار بين الطفل ووالديه وعدم شعور الأهل بالاستياء أو الغضب إذا ما سألهم طفلهم أيّ سؤال خارج عن حدود الأدب التي نتوقّعها".
وعادة ما يتهرّب الأهالي من الإجابة عن الأسئلة "المحرجة". لكن تلفت التميمي إلى أنّ "على الأهالي إجابة أطفالهم إجابات صريحة تناسب أعمارهم وليس إجابات كاذبة وتسويفية، وحتى يمكن الشرح لهم عبر الصور التعليمية التي تناسب أعمارهم". فمن الضروري أن يشعر الطفل بأنّ المصدر الحقيقي للمعلومات الصحيحة هو والديه حصراً.
وتحثّ التميمي الوالدين على عدم إسكات الأطفال ولا قمعهم لدى سؤالهم عن هذا المحتوى، وخصوصاً عدم توجيه الطفل إلى أفراد آخرين من العائلة للإجابة عن هذه الأسئلة ولا رمي هذا الأمر على عاتق المدرسة، "رغم أهمية دور المدرسة في هذا الإطار، لكن قد يكون الأذى من أشخاص داخل العائلة، فنحن لا نعرف النفوس المريضة".
لكن على المستوى التقني، هل من تقنيّات فعّالة لنحمي أطفالنا؟
تخضع شركه "ميتا" لقضايا واستجوابات عديدة لا سيما من قِبل الاتحاد الأوروبي بسبب المحتوى الجنسي الذي تنشره على منصّاتها، بحيث أصدر الاتحاد قانوناً جديداً في هذا الإطار وبدأ تفعيله منذ شهر آب من هذا العام، وهو الاستجواب الثالث للشركة منذ تفعيله، هذا ما يوضحه فادي رمزي، أستاذ محاضر في الجامعة الأميركية في القاهرة ومتخصّص في الإعلام الرقمي، في حديث لـ"النهار".
وسابقاً، كان الاتحاد الأوروبي قد غرّم "ميتا" بـ400 مليون دولار للأسباب نفسها. وكان أحد التقارير السابقة قد فضح ما تقوم به شركة "ميتا"، عبر ما أفشت سره إحدى الموظفات في الشركة، بأنّ "الشركة تخالف في محتواها ما تؤكده في شروط استخدامها وسياستها".
وردّت شركة "ميتا" على هذه الادّعاءات بتغيير سياستها وتوسيع مزاياها لحماية الأطفال من هذا المحتوى على منصاتها، "لكن هذا الرد هو ردّ شكلي وديبلوماسي لحفظ ماء وجهها طبعاً"، وفق رمزي. فالمحتوى الجنسي هذا موجَّه، ولا سيما على منصة "إنستغرام" عبر الترشيحات، وفي منصة "فايسبوك" عبر الترشيحات من خلال "المجموعات التي يمكن الانضمام إليها"، بذلك، تعمل الخوارزميات على توجيه هذا المحتوى.
ومن المعلوم أنّ أطفالاً كثيرين يزيدون أعمارهم ليتمكّنوا من إنشاء حسابات لهم على منصّات التواصل، وبذلك تصبح حمايتهم أمراً أصعب. في هذا الإطار، يقول رمزي إنّ "مراقبة هؤلاء الأطفال تقع على مستويين: الأول، المنصّات الرقمية نفسها التي عليها ابتكار تكنولوجيا للتحقّق من العمر الحقيقي للمستخدِم، وهذا الأمر لا يزال ضعيفاً جداً ويمكن لأي شخص تغيير عمره". والثاني غير التقني، هو جانب التوعية من قِبل الأهالي. "فحتى الآن، ليس هناك حلّ تقني قاطع للحدّ من بروز وظهور هذا المحتوى لدى الأطفال"، وفق رمزي.
ماذا عن الـparental control التي تتحدث عنها بعض شركات التكنولوجيا في برامج تشغيلها؟ يجيب رمزي أنّ "هذه الحماية تقع على مستوى الجهاز ونظام عمله بشكل أساسي". فمثلاً "غوغل"، و"أبل"، طرحتا حلول "حماية الأهالي" على أنظمة تشغيلهما، لكن إذا تمكّن الطفل من دخول المنصّة نفسها يفقد الأهالي هذا التحكّم التقني. فقد أوجدت "غوغل" مثلاً ميزة سمّتها "غوغل فاميلي"، تمكّن الأهالي من تحديد التطبيقات على جوّال طفلهم التي يسمحون له بتحميلها. لكن إذا استطاع الطفل تحميلها، فليس هناك داخل هذه المنصّات أي حماية عائلية.
ماذا تستفيد "ميتا" من نشر هذا المحتوى وما ينتج عنه من جرائم وسلوكيات خطيرة على الأطفال؟ "يقوم نموذج عمل "ميتا" بشكل أساسي على الإعلانات، وبالتالي، كلّما زادت نسبة المشاهدة زادت الإعلانات لديها، وزادت أرباحها"، يوضح رمزي. أمّا في الشق الثاني من الأهداف، "فتراعي شركة "ميتا" اتجاهات سياسية معيّنة".
المصدر: النهار