مراهق من 7 يعاني أزمات نفسية... كيف نتعامل مع العدوانية المتزايدة؟

أربعاء, 12/01/2021 - 18:54 -- siteadmin

بعد فترة الحجر والعزلة الاجتماعية طوال عامين، حصل تغيّر كبير في حياة الكلّ وخاصّة الأطفال، وفق ما يبدو واضحاً مع عودتهم إلى المدرسة. الطباع والشخصيّة والسلوكيّات والنموّ الاجتماعي، كلّها تبدّلت اليوم بسبب ظروف انتشار الوباء، وفق ملاحظة الأهل والاختصاصيّين والقيّمين على المدارس، ما يدعو إلى التحرّك سريعاً لمساعدة الأطفال والحدّ من معدّلات العدوانيّة التي تظهر لديهم حالياً.
بحسب الاختصاصية في المعالجة النفسية جيزال نادر، مع عودة الأطفال إلى المدرسة والراشدين إلى عملهم، ظهرت أزمات نفسيّة كثيرة واضطرابات لدى الكبار والصغار على حدّ سواء بسبب العزلة والحجر طوال عامين.

لماذا ظهرت هذه الأزمات النفسية الآن؟
كان الوضع النفسي في تراجع مستمرّ طوال عامين، وتفاقم، لكن مع العودة إلى الحياة الطبيعية انكشفت الأمور على حقيقتها وبدأت الأزمات النفسية تظهر بشكل واضح. وسوء الوضع النفسيّ يبدو واضحاً بحسب نادر، بالنظر إلى معدّل الراشدين والأطفال الذين يلجؤون إلى المعالجة النفسيّة ويظهر أكثر فأكثر الكمّ الهائل من المشكلات التي يعانونها. لكن بالرّغم من كلّ الأزمات النفسيّة التي تظهر، خصوصاً في هذه المرحلة، من المتوقع أن يعود الكلّ إلى التأقلم مع ظروف الحياة الطبيعيّة والانخراط في النظام المدرسي، بالنسبة إلى الأطفال، لاعتبارهم معتادين عليه أصلاً.

لكن التغيير الأكبر الواضح اليوم بين الأطفال هو العدوانيّة الظاهرة في ما بينهم. هذا التغيير البارز في السلوكيّات والطباع والعدوانيّة الظاهرة بين الأطفال، يعود بشكل أساسيّ إلى الإفراط في استخدام الأجهزة الإلكترونيّة وتمضية ساعات طويلة مع ألعاب الفيديو في فترة الحجر المنزليّ، مع ما يتخلّلها من عنف في كثير من الأحيان، فيما تُعدّ تمضية أكثر من 4 ساعات في استخدام الأجهزة الإلكترونية إدماناً، وعندها تظهر الأعراض الواضحة عند التخلّي عن هذه الأجهزة بسبب الحاجة إليها كما هي الحال في مختلف أنواع الإدمان، فتظهر ردات فعل مفاجئة كالصّراخ والعدوانيّة والعنف. تؤكّد نادر أنها تصادف باستمرار مثل هذه الحالات حالياً، خصوصاً أن معظم ألعاب الفيديو الأكثر انتشاراً بين الأطفال والمراهقين تشجّع على العنف، وهي غير مراقبة من قبل الأهل.

من جهة أخرى، بنتيجة العزلة الاجتماعيّة وعدم المخالطة بين الأطفال طوال العامين الماضيين اللذين كبروا فيهما وتغيّرت شخصيّاتهم خلالهما أيضاً ولم يعودوا معتادين على مخالطة الأطفال الباقين، اعتادوا على الوحدة والعزلة ونمت شخصيّات جديدة يمكن أن تكون متأثرة بالظروف المحيطة بوجود الوباء. لذلك يبدو التخالط من جديد صعباً عليهم، ما يولّد لديهم هذه العدوانية فيما يعملون على بناء شخصيّاتهم الاجتماعية من جديد. حتى إن ثمّة أطفالاً كثيرين يعجزون عن مخالطة أطفال آخرين حالياً بعد ما مرّوا به.

في دراسة أخيرة لـ"اليونيسف" عن الآثار النفسيّة للوباء على المراهقين تبيّن أن مراهقاً من 7 يعاني أزمات نفسيّة. هذا، فيما تصل معدّلات الانتحار بين المراهقين إلى 46000 فرد في عام 2021، وقد كان للوباء دور في نسبة كبيرة منها.

تسبّبت الجائحة بهذه الآثار النفسية في مختلف دول العالم، لا في لبنان فقط. فقد تسبّب القلق والاكتئاب والخوف نتيجة التغيّر في نمط الحياة وفي الحياة الاجتماعيّة والمعيشيّة مع اختلاف المعايير، باضطرابات نفسيّة كثيرة. كما أن ظروف الحجر قد تكون أسهمت بزيادة معدّلات العنف المنزليّ، وفق ما توضح نادر، ما زاد من معدّلات العنف والعدوانية أيضاً بين الأطفال على أثر ذلك. كلّ هذه الأمور لم تكن سهلة على الكلّ، بما في ذلك الأطفال. أمّا العودة إلى الحياة الطبيعيّة فلم تكن أقلّ صعوبة، فكان طبيعياً أن تظهر في هذه العودة، خصوصاً في بداياتها، كافة الأزمات النفسية التي تراكمت طوال العامين الماضيين.

مع الإشارة إلى أنّ ثمّة اضطرابات نفسيّة لدى البعض يمكن أن تكون موجودة من قبل الوباء، لكنها ظهرت أكثر وضوحاً خلال الفترة الماضية بسبب الحجر والعزلة، بغياب أيّ نشاطات ومع امتناع الأطفال عن الذهاب إلى المدرسة. فهذه النشاطات يمكن أن تخفّف من حدّة هذه المشكلات النفسيّة، وغيابها أسهم بتفاقمها أكثر بعد.

كيف يمكن الحدّ من العدوانيّة ومن الاضطرابات النفسية لدى الأطفال؟
ثمّة حلول عديدة يمكن اللجوء إليها، منها ما هو من مسؤوليّة المدارس ومنها حلول من مسؤوليّة الأهل:
- يجب الحدّ من الفروض والدّروس لتجنّب زيادة الضغوط على الأطفال، ويُمكن للمدارس أن تزيدها تدريجاً مع مرور الوقت.
- يجب أخذ الوضع النفسيّ للأطفال في الاعتبار ومساعدتهم من قبل اختصاصيين في المدارس لتقويم أوضاع الأطفال الذين يظهرون مثل هذه الأعراض التي تشير إلى أزمات نفسيّة.
- يجب زيادة ساعات الرياضة والأنشطة الترفيهيّة ليُخرج الأطفال الطاقة السلبيّة التي لديهم.
- يجب إقامة دورات تدريبيّة للمعلّمات حول كيفيّة التعاطي مع هؤلاء الأطفال لاستيعابهم بشكل أفضل والتعامل معهم بالطرق المناسبة.
- على الأهل التنبّه لأيّ عارض يظهر لدى الطفل وعدم التعامل معه بغضب أو توتر بل عليهم أن يتفهّموا حالته والطاقة الاستثنائيّة التي لديه تماشياً مع ظروف الوباء بكلّ ما فيها من صعوبات.
- عند ملاحظة أعراض ككثرة النوم أو البكاء من دون مبرّر أو العزلة أو الكآبة أو عدم الرغبة في العيش، تُعدّ هذه مؤشّرات اكتئاب أو اضطراب نفسيّ، ولا بدّ من عرض الطفل على اختصاصيّ في علم النفس.
- من المهمّ أن يعمل الأهل على زيادة معدّلات الأنشطة التي يقوم بها أطفالهم خارج إطار الدرس لاعتبارها تفيدهم إلى حدّ كبير.
- على الدولة أن تعمل على تخصيص كلّ ما يلزم لدعم المتابعة النفسية، وذلك ينطبق على مختلف دول العالم، نظراً إلى الحاجة الماسّة إلى ذلك في هذه المرحلة مع تزايد الطلب على الاختصاصيين النفسيين. وفي لبنان خاصّةً، تضاف إلى كورونا الأزمات المتعاقبة من انفجار المرفأ والأزمة الاقتصاديّة والوضع المعيشيّ العام والوضع الأمنيّ، بما يتطلّب المزيد من الاهتمام بالشقّ النفسيّ لأن اللبناني مقاوم عادةً، لكن ما يحصل معه اليوم تخطّى قدرته على المقاومة والتحمّل. ووجود الجمعيّات والمؤسّسات التي تعمل في هذا المجال أساسي اليوم لمساعدة الكلّ على تخطّي جميع الأزمات النفسيّة في ظلّ الظروف القاسية هذه سواء بالنسبة إلى الراشدين أو الأطفال.

بقلم كارين اليان

المصدر: النهار

https://www.annahar.com/arabic/section/5-%D8%B5%D8%AD%D8%A9/22112021080916812