تخيل أن تولد في "الخلافة" التي أعلنها تنظيم "الدولة الإسلامية" (يُعرف أيضا بـ "داعش"). ربما كان والدك من بين آلاف المقاتلين الأجانب الذين سافروا إلى العراق أو سوريا للجهاد، أو مدني اضطر للعيش تحت حُكم داعش. قابل والدتك وتزوجها، ربما جبرا، في الرقة أو الموصل. الإثبات الوحيد على زواج والدك ووالدتك – إن وُجد – وإثبات ولادتك الوحيد حتى، هو وثائق أصدرها تنظيم داعش. والآن بعد أن فقد التنظيم السيطرة على المنطقة التي تقيم فيها، تجد نفسك دون أوراق ثبوتية رسمية. والأسوأ أنه من المرجح أن والدك قد مات أو احتُجز أو نُقل إلى جبهة لا تعرفها.
مع زحف القوات الغربية والمتحالفة معها على معاقل داعش الأساسية في المدن، يصبح المزيد والمزيد من الأطفال في هذا الموقف، أو يضطرون لمواجهته. مثل أغلب ما يتعلق بالمناطق الخاضعة لداعش، فمن الصعب فهم نطاق المشكلة بدقة. أصدرت مؤسسة "كويليام"، وهي مركز بحثي بريطاني يُعني بالإرهاب والتطرف، تقريرا في مارس/آذار نقل عن مسؤول مخابراتي قوله إن هناك 31 ألف امرأة حامل في معاقل داعش. وكتب الصحفي العراقي غزوان حسن الجبوري في مايو/أيار عن نحو 300 طفل آبائهم أعضاء في داعش، هم بدون جنسية ولا يمكنهم الانضمام إلى المدارس في العراق. أشار الصحفي إلى بحوث لوزارة الداخلية العراقية يظهر منها أن نحو ثلث "النساء في سن الزواج" في معاقل داعش قد تم تزويجهن إلى عناصر من التنظيم المتطرف، والكثير من هؤلاء ليسوا من العراق.
إذا لم يتم عمل شيء لمعالجة الموقف، فسوف تظهر مجموعة جديدة من الأطفال دون جنسية على هامش دول هشة ومتشظية أصلا مثل العراق وسوريا وليبيا.
الاستمرار في استصدار وثائق رسمية للزواج والمواليد مسألة صعبة دائما في أوقات النزاع. وقد يجعل انعدام الأوراق الرسمية من الأنشطة، اليومية مثل الالتحاق بمدرسة، أو التنقل مسألة مستحيلة. الأسوأ أن غياب شهادات الميلاد سيصعّب من إثبات الجنسية، وقد يصبح الطفل دون جنسية. رغم أن انعدام الأوراق الرسمية أضر بكثير من الأطفال الذين ولدوا في النزاعات الأخيرة في سوريا والعراق، فإن خطر الوقوع في حالة البدون كبير للغاية بالأخص على الأطفال المولودين في معاقل داعش.
أفاد نشطاء من الرقة والموصل بأن داعش هيأ نظاما لتسجيل الزيجات والمواليد، لكن لا تعترف السلطات الأخرى بهذه الوثائق. وحقيقة أن داعش قطع أي اتصال حقيقي بين الأراضي الخاضعة لسيطرته وسائر العالم جعل من المستحيل على من يعيشون في معاقل داعش تسجيل مواليدهم في المؤسسات الحكومية في العراق أو سوريا. ويعني أيضا غياب أية عمليات إنسانية أممية أو إغاثة دولية في معاقل داعش أنه عند انتهاء النزاع لن تكون هنالك وثائق صادرة عن الأمم المتحدة – مثل شهادات "وكالة الأمم المتحدة للاجئين" أو شهادات اللقاحات للأطفال – التي قد تشير إلى هوية الطفل.
بدأت السلطات العراقية بالفعل في التفكير في المشكلة. لم تعلن بغداد بعد عن سياسة رسمية، لكن قال مسؤول إغاثة دولي لنا إن العائلات العراقية التي تهرب من الموصل والحويجة تمكنت من تسجيل مواليدها الذين ولدوا تحت سيطرة داعش لدى السلطات العراقية، طالما لم تعرض الأسرة على السلطات شهادة ميلاد صادرة عن داعش، واكتفت بالقول إن الطفل تنقصه الوثائق. نظام التسجيل الحالي يعتمد عموما على إصدار الأبوين طلب بالنيابة عن الطفل. إذا كان أحد الأبوين - أو كلاهما – متوفيا أو مفقودا أو أجنبيا، قد يصبح من الصعب للغاية على الأقارب تسجيل الطفل. قال رجل إيزيدي لـ "هيومن رايتس ووتش" إنه تمكن من استعادة 2 من أبناء أخيه اختطفهما داعش. ما زال أب الطفلين وأمه رهن احتجاز داعش ولم يتمكن الرجل من حمل السلطات المحلية في العراق على إصدار أوراق ثبوتية للطفلين بسبب الحاجة إلى بطاقات هوية الأب والأم.
في مخيم للنازحين قرب الجبهة في جنوب شرق الموصل، قالت 3 عائلات لـ هيومن رايتس ووتش إن أطفالها ولدوا تحت سيطرة داعش وسجلوا في مستشفيات محلية حيث وُلدوا. قالت لهم السلطات العراقية التي زارت المخيم إنه ما إن تسيطر الحكومة العراقية على المستشفيات مجددا فسوف تطلع على سجلات المستشفى وتسجل الأطفال، حتى إذا كان الأبوان قد تزوجا في عهد داعش ومن ثم لم يُسجل زواجهما بموجب القانون العراقي. لم توضح السلطات العراقية ماذا سيحدث إذا كانت سجلات المستشفى قد دُمرت على يد قوات داعش المنسحبة أو أثناء المعركة.
رغم أن السلطات العراقية ربما كانت مستعدة لتسجيل الأطفال الذين لا ينتمي آباؤهم إلى داعش، فلا توجد مؤشرات على أن الأمر نفسه ينطبق على العائلات التي يُشتبه أن أحد الأبوين فيها أو كليهما ينتمي إلى داعش أو أجنبي. حتى قبل صعود داعش، كان العراق يواجه بالفعل مشكلة الأطفال دون جنسية الذين وُلدوا بين 2004 و2009 لمتمردين ولمقاتلين من القاعدة دخلوا العراق لقتال الأمريكيين. أحجمت السلطات عن الاعتراف بالأطفال أو منحهم أوراق رسمية أو الجنسية.
ما حدث لهؤلاء الأطفال يكشف الكثير. طبقا لإحصاءات قدمتها اللجنة البرلمانية العراقية المعنية بحقوق الإنسان للإعلام في 2013، فهناك أكثر من 520 حالة لأطفال بدون جنسية وُلدوا لهؤلاء المقاتلين، والكثير منهم جاؤوا من دول عربية أخرى. العدد الحقيقي – حسب تقدير المنظمات المحلية وقتها – أكبر، وتشتبه المنظمات بأن عائلات عديدة تخفي وجود هؤلاء الأطفال خوفا على سلامتهم وخشية العار الاجتماعي.
زاد عدد الأجانب في العراق وسوريا في السنوات الأربع الأخيرة فقط، وسوف يؤدي إلى مضاعفة خطر عدم حصول الأطفال على جنسية. طالما يعيشون تحت سيطرة داعش، يُرجح أن قلة من الآباء الأجانب تواصلوا مع قنصلياتهم لإخطارها بولادة أطفال لهم. في الشهور الأخيرة قام عدد من الأهالي الأجانب – كثير منهم أمهات وُلد أطفالهن تحت حُكم داعش – بمغادرة أراضي داعش والتواصل مع قنصلياتهم وسفاراتهم أملا في العودة إلى بلادهم. طبقا لمسؤولين أوروبيين قابلتهم هيومن رايتس ووتش، فإن السفارات تقدم أوراق هوية لهؤلاء الأطفال ما إن تثبت الأبوة.
الأمر أكثر تعقيدا بالنسبة للأطفال الذين جاءت أمهاتهم من بلاد مثل سوريا أو ليبيا، التي بها سجل طويل من القوانين التمييزية التي تحرم النساء من حق نقل الجنسية إلى الأبناء، أو تسمح لهن بهذا في حالات استثنائية. في هذه الحالات، فإن الجنسية عادة ما تنتقل للطفل من الأب. لذا، فأطفال المقاتلين الأجانب ممن تزوجوا نساء محليات لن يستحقوا سوى جنسية الأب، رغم أن العديد من هؤلاء المقاتلين يُرجح أن يكون مصيرهم الموت أو الاحتجاز أو الهرب.
رغم قدرة النساء العراقيات على نقل الجنسية إلى أطفالهن، فإن الأم تبقى بحاجة إلى وثائق رسمية تثبت بها هوية الأب. تجربة العقد الأخير مع الأطفال المشتبه بانتماء آبائهم إلى تنظيم القاعدة تشير على أن السلطات العراقية قد تعقّد الأمور. كما أن النساء العراقيات اللواتي وُلد أطفالهن خارج العراق – مثل النساء العراقيات المقيمات في معاقل داعش في سوريا – تقل قدرتهن على نقل الجنسية للأبناء.
التحديات لا تقتصر على سوريا والعراق. هناك صحفي أخبر هيومن رايتس ووتش بأنه صادف نحو 10 أطفال لمقاتلين من داعش، بعضهم جاؤوا من تونس، في مركز احتجاز ليبي في طرابلس. السلطات الليبية المحلية المسؤولة عن المنشأة أخبرته بأنهم يريدون إرسال الأطفال إلى تونس لكن السلطات التونسية لا سجل لديها بهؤلاء الأطفال. وهكذا ظل الأطفال العشرة رهن الاحتجاز مع محاولة أقارب تونسيين تسجيلهم كتونسيين وإمدادهم بوثائق لمغادرة ليبيا للعودة لعائلاتهم في تونس.
انعدام الجنسية يجلب مشكلات مثل التمييز والمساس بالحق في التعليم والسكن والرعاية الصحية والعمل. يفاقم أيضا من المشاكل التي يواجهها الأفراد الذين يعانون من التهميش الاجتماعي. صدر عن وكالة الأمم المتحدة للاجئين تقرير في 2015 ورد فيه أن الأطفال دون جنسية في مختلف المناطق يواجهون جميعا التمييز والإحباط واليأس. هذا خليط خطير من المشاعر يمكن أن يهيئ الطريق إلى مستقبل من التطرف.
هذه الكارثة المُنتظرة خليقة بتدبر تحركت عاجلة. على سوريا وليبيا تعديل قوانين الجنسية أو تفعيل تدابير للسماح للنساء بنقل الجنسية إلى أطفالهن. هذه البلاد – ومعها العراق – بحاجة أيضا إلى تهيئة إجراءات لإصدار أوراق ثبوتية لهؤلاء الأطفال.
وفي معرض تحديد هل يُعترف بوثائق داعش الثبوتية أم لا، فلابد من مراعاة المصلحة الفضلى للأطفال. بالنسبة للحالات حيث أحد الأبوين أو كليهما أجنبي، على الدول التعاون معا لتسهيل تحديد النسب ومنح الجنسية وربما إعادة هؤلاء الأطفال إلى دول الأبوين. آليات التنسيق هذه يجب أن تنص أيضا على كيفية التعامل مع وثائق السفر المؤقتة، وكذلك اختبارات الحمض النووي في بعض الحالات.
بالنسبة للأطفال الذين وُلدوا في العراق وسوريا ومصيرهم أن يصبحوا بدون جنسية، فعلى السلطات أن تمنحهم جنسيتها بموجب القانون الدولي. هذه التدابير – مثل التصدي للعديد من المشكلات في أعقاب اندثار داعش – سوف تستغرق وقتا. لكن يجب ألا يضطر الأطفال لدفع ثمن اختيارات الآباء.
بقلم نديم حوري - مدير برنامج الإرهاب ومكافحة الإرهاب – هيومن رايتس ووتش