في الوقت الذي تبحث فيه مؤسسات الإعلام على أكبر نسبة مشاهدة وسط طغيان البرامج الساخرة وتلك التي ترتكز على الايحاءات الجنسية، إلى جانب برامج تفتح الهواء للطبقة السياسية ومعها فقرات التنبؤات والتوقعات الكارثية، هناك من يعمل على صورة تلفزيونية أجمل وأكثر وضوحاً، فقد يحالفنا الحظ في السنة 2017 ونشهد خرقاً تلفزيونياً يستدعي من العائلات دفع أولادهم إلى مشاهدة التلفزيون وانتظار موعد "نشرة الأخبار"!
وإذا أحسن القيّمون على العمل تنفيذ المشروع، فإن ذلك من شأنه أن يسجل لمصلحة مؤسسة عامة انجازاً مهماً يخرق "انجازات الفساد" المتراكمة، وسيسجل لمصلحو وزارة الشؤون الاجتماعية وتحديداً المجلس الأعلى للأمومة والطفولة، من خلال مشروع هو الأول من نوعه ليس في لبنان فحسب، بل العالم العربي، وهو عبارة عن نشرة أخبار موجّهة إلى الأولاد يقدّمها زملاء لهم تراوح أعمارهم ما بين 8 و15 عاماً.
لا أسف على عرض هذه النشرة على التلفزيون الحكومي في حال أحسن اختيار الفريق التقني لها، وأبعدت عن "الزكزكات" بين القياديين، وفق ما علمت "النهار" من الإعلامية ليليان اندراوس، فإنّ مدة النشرة نصف ساعة، ستعرض عبر تلفزيون لبنان، وتتضمن مقابلات ومداخلات مقسّمة إلى فقرات تطال أخباراً من حول العالم وموضوعات صحية وثقافية وتعليمية وفنية، وصولاً إلى أخبار موجّهة إلى الأولاد من ذوي الحاجات الخاصة.
فكرة البرنامج التي استغرق تحضيرها نحو سنتين، طرحتها أندراوس وتبنّاها المجلس الأعلى للامومة والطفولة التابع للوزارة ونفّذها بإشراف ريتا كرم، تطبيقاً لاتفاق حقوق الطفل الصادر عن الأمم المتحدة في بنديه 12 و 13، والذي يدعو إلى "احترام حق الطفل في التعبير عن آرائه بحرية في جميع المسائل التي تمسه، وحقه في طلب كل أنواع المعلومات والأفكار وتلقيها وإذاعتها، من دون أي اعتبار للحدود، سواء بالقول أو الكتابة أو الطباعة، أو الفن، أو بأيّ وسيلة أخرى يختارها"، وفق ما أوضحت منسقة الملف الثقافي والإعلامي في المجلس أمال وهبي لـ"النهار".
سينطلق تنفيذ المشروع السبت (22 تشرين الأول) من خلال إطلاق أول ورشة تدريبية مدتها شهر، هدفها تعريف الأولاد المشاركين على حقوقهم المنصوص عليها دولياً. ومن ثمّ الانتقال إلى مرحلة التدريب على الأداء التلفزيوني وبعدها إطلاق المشروع رسمياً في مؤتمر صحافي في حضور وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس. نسأل وهبي عن المعايير التي جرى اعتمادها في اختيار الأولاد، تجيب: "تم اختيار الأولاد وفق معايير وليس وفق شروط، كتمتعهم بمهارات النطق السليم والالمام باللغة العربية وامتلاك قدرة كبيرة على الاستيعاب".
أندراوس، صاحبة الفكرة، فنّدت الأسباب التي أوصلتها إلى هذا المشروع. فخلال معركتها مع المرض منذ سنتين، غاصت في تأملات حياتية أرادت الخروج منها برسالة إنسانية بحتة بدأتها بتأليف كتاب، لم ينجز بعد، عنوانه "بنت حرب"، هو عبارة عن "محاكاة لطفلة عاشت الحرب وواكبت الدمار والموت وأرادت أن تكون امرأة سلام"، وتقول: "هذا الهدف لا يمكن أن يتحقق في ظل غياب التنشئة الوطنية الصحيحة"، وتضيف: "كنت أراقب نشرات الأخبار اللبنانية والعالمية وما تقدمه من ذبذبات سلبية تنتقل إلى أولادنا الذين يتابعون مع الأهل آخر أخبار الساعة. ولأننا نعاني شحاً في برامج الطفولة وتطبيقاً للبنود الواردة في اتفاقية حقوق الطفل، انبثقت هذه الفكرة". وتلفت أندراوس إلى أنه تم تشكيل لجان من أطباء ومستشارين متخصصين في شؤون الصحة النفسية والسلوكية والاعلامية، بهدف إعداد الطفل بشكل مدروس حرصاً على عدم انتهاك حقوقه.
الفكرة مشجعة قبل اطلاقها، ويبقى الحكم على كيفية تنفيذها، خصوصاً في بلد بات يرى أنّ كل ما هو مرتبط بالدولة "غير ناجح"، على أمل اعطاء كل الجهود لانجاح فكرة هدفها "الصغار في لبنان".
بقلم اسراء حسن
المصدر: النهار