أقترح عليكم أن نتشاور في ظاهرة اجتماعية نعيشها يوميا في شوارع مدننا.
لا أريد هنا الانتقاد أو توجيه الاتهامات، بل كل ما أريده هو المشاورة و تقييم التجارب لكي نتعلم جميعا كيف نتقدم في بناء مجتمعنا.
لا يخفى على أحد ما نلاحظه في أزقتنا كيف أن فتياننا يتحرشون بكل حرية بفتياتنا. فبالطبع لكل منا تفسيره الخاص، فهناك من يتهم الفتاة بأنها هي التي تستفز الفتى ولكن إذا كان لهذا الفتى أخلاق إنسانية وروحانية فهل سيسمح لنفسه بالتحرش بهذه
الفتاة؟، لو تلقى هذا الفتى تربية أخلاقية مبنية على الفضائل الإنسانية، فهل سوف يكون له هذا السلوك العدواني اتجاه أخته المواطنة؟
في انتظار آرائكم، أريد أن أشارككم برأيي كمواطن وكاختصاصي في مجال الطب النفساني.
إن التحرش ظاهرة اجتماعية تدل و تبرهن على أننا فشلنا في تربية أطفالنا إناثا وذكورا.
ففتياننا ليسوا بمخطئين عندما يتحرشون ببناتنا، بل هذا نتيجة أخطائنا نحن الآباء و الأمهات، لأننا نربي الذكور بطريقة متميزة عن تربيتنا للإناث، بحيث نسمح لهم بالسيطرة على أخواتهم البنات في المنزل و كأنهم أمراء وهن إماء. ولا ننسى أن معاملة الزوج لزوجته، يعتبر نموذجا لأولادنا حول كيفية تعامل الذكور مع الإناث.
وكذلك، إذا سمحت الفتيات، للفتيان بالتحرش بهن، فانه ليس خطأ منهن، بل هو كذلك نتيجة خطئنا نحن الآباء والأمهات لأننا نعلمهن السكوت وعدم الدفاع عن حقوقهن في المنزل اتجاه إخوانهن. و كذلك الأمهات فقد أعطين النموذج لبناتهن بتقبل الإهانات من طرف أزواجهن.
ما نراه في شوارعنا ما هو إلا مرآة لما نعيشه في بيوتنا، فلا نستغرب من صورتنا ولا نتهم أبنائنا ذكورا كانوا أم إناثا، فنحن المهات و الآباء من يصنع الشارع.
فلو كنا عادلين في تربيتنا لفتياتنا وفتياننا ومتعناهم بنفس الحقوق، لعكسنا هذه الصورة في الشارع، وكذلك إذا حققنا السلم في المنزل فسنراه يتحقق في أزقتنا كذلك.
في نظري، فمسألة المساواة في تربية البنت والولد، لابد لها أن تقودنا إلى سؤالين رئيسيين:
1- أي نموذج ومثال نقدمه نحن الآباء والأمهات لأطفالنا؟ فهل المساواة بين الأب والأم متوفرة حتى يقتدي بها الأطفال؟ هل الاحترام سائد بينهما؟
2- لماذا نسعى لتربية أطفالنا؟ لماذا يجب علينا أن نربيهم؟ ما هو هدف التربية؟ ما هي وسائل التربية؟ إذا نظرنا إلى الشارع هل بإمكاننا أن نزعم بأننا توفقنا في تربية أبنائنا أو أن آبائنا توفقوا في تربيتنا؟
هدفي ليس أن أكون سلبيا أو أن أصيبكم بالإحباط والاكتئاب، بل بالعكس، أناشدكم بان نعيد النظر في منهجنا التربوي ونتوقف عن نقله من جيل إلى آخر، وأن نتشاور جميعا حول إبداع طرق أخرى تضمن لنا مجتمعا سليما ينشر نفحات الرقي والاستقرار والرخاء، مجتمعا يفوح بالعطور الروحانية الربانية وتنبعث منه شمس المحبة والأخوة والسلم الدائم.
هناك الكثير من البحوث والانجازات في الميدان التربوي والتعليم المدرسي بحثا عن أحسن المناهج، وهذا شيء إيجابي وهو من دور الوزارة المتخصصة في هذا المجال.
ولكن من سيقوم بهذا العمل في المنزل الذي يعتبر أعظم مدرسة لبناء مجتمع أسمى؟ أتظنون أن هذا كذلك من دور الوزارة؟ أتظنون أن الوزارة من واجبها توظيف مربي أو مربية في كل منزل من منازلنا؟ فهذا، بالطبع، شيء مستحيل وغير منطقي.
من أخذ القرار بإنجاب هؤلاء الأطفال؟ بالطبع نحن الآباء. إذا فتربية أطفالنا من واجبنا نحن أولا.
إنني على يقين ومطمئن بأن كل الأمهات والآباء يبحثون عن أحسن الطرق لتربية أبنائهم والدليل على ذلك، التضحيات التي يقدمونها من أجل ضمان مستقبل أفضل لأبنائهم.
بحكم تجاربي كطبيب نفساني و كأب و كذلك مساهمتي في البرامج البهائية لتربية الاطفال، مع عدد كبير من الآباء والأمهات من مجتمعات وثقافات و ديانات مختلفة، أقترح عليكم االتجربة التالية و التي هي مبنية على التشاور و تبادل التجارب للتعلم معا من أفضل الطرق لتربية أبنائنا.
فهذه التجربة بسيطة و لا تتطلب تجهيزات أو امكانيات كبيرة. فهي تتجسد في تكوين مجموعات من الآباء والأمهات في كل حي من أحيائنا. كل مجموعة تلتقي مرة في الأسبوع، مثلا في أحد المنازل او في فضاء آخر في نفس الحي حتى لا يطرح مشكل التنقل وإضاعة الوقت. لكن لا ننسى أن لكل حي خصوصياته و لهذا فبامكاننا تكييف هذه التجربة على حسب ظروف كل حي من أحيائنا.
هذه الطريقة لا تتطلب اختصاصيا في التربية لأن الأمهات و الآباء هم الاختصاصيون و سوف يتعلمون جميعا بالتشاور و الاقتراحات و تقيم تجاربهم كل أسبوع لكي يعدلوا من طرق تربيتهم لأطفالهم. كما أنه من الممكن أن تعقد هذه المجموعة لقاءات تشاورية مع أطفالهم و مراهقيهم و شبابهم لخلق فضاء لبناء الحوار و العلاقات الودية. في هذا اللقاء الخاص نستمع لأطفالنا و نعلمهم كيف بامكاننا أن نبي معا مجتمعنا و نربي فيهم الحس بالمسؤولية. لقد لقيت هذه التجربة نجاحا كبيرا و تطورت الى عدد كبير من المشاريع و الانجازات داخل الحي.
هذا مثال بسيط عن كيف بامكاننا أن نتعلم جميعا ونسير في طريق خدمة مجتمعنا ونضاعف ونقوي عندنا و عند أطفالنا الحس بانتمائنا لمجتمعنا.
بقلم الدكتور جواد مبروكي
المصدر: CNN