
أظهرت ملفات خاصة كشف عنها الأرشيف الوطني البريطاني أن أطباء بوزارة الداخلية منحوا موافقتهم لإجراء اختبارات لعقاقير مهدئة على أطفال في مدرستين للأحداث في الستينيات من القرن الماضي.
ولم تجر استشارة آباء هؤلاء الأطفال بشأن هذه الاختبارات، وتُركت الموافقة عليها بيد المديرين المسؤولين عن هذه المدارس.
قُدم عقار مضاد للصرع للأطفال الأكثر إثارة للمشاكل في مدرسة ريتشموند هيل للأحداث في مقاطعة "نورث يوركشير" والتي تضم صبية تصل أعمارهم إلى 15 عاما أو أكثر وذلك لمعرفة إذا كان هذا العقار سيؤدي إلى السيطرة على سلوكهم.
ولم تجر الموافقة على إجراء تجربة لعقار مسكن على فتيات في مدرسة "سبرنغ هيد بارك" للأحداث في منطقة "روثويل" القريبة من ليدز.
وكان المقترح يشمل إعطاء جميع الفتيات، اللائي كانت تتراوح أعمارهن بين 14 و15 عاما، عقارا مسكنا قويا يُسمى "هالوبريودول"، والذي يُستخدم حاليا على نطاق واسع كمضاد للذهان.
"عصبي وعدواني"
ورغم أن هؤلاء الطلاب كان يجري إرسالهم إلى هذه المدارس بقرارات من محاكم أحداث، فإنهم لم يكونوا محبوسين، وكانت هذه المدارس تُمول وتُفتش من قبل وزارة الداخلية وتديرها هيئات تطوعية.
وتشمل وثائق الأرشيف الوطني مناقشات دارت بشأن خطط تتعلق بإجراء اختبارات العقاقير بين ثلاثة أطباء جميعهم متوفون حاليا.
وفي وثيقة يعود تاريخها إلى أواخر عام 1967، كتب الدكتور جيه آر هوكنغز، وهو طبيب نفسي منتدب لدى مدرسة ريتشموند هيل، إلى وزارة الداخلية يطلب إذنا بإجراء تجربة لعقار على الأولاد الذين يعانون من "تهور وسرعة الانفعال وسرعة الغضب والاضطراب والعدوانية".
وأراد هوكنغز أن يعطي هؤلاء الأولاد عقارا يُسمى "بكلاميد"، وهو مضاد لنوبات الصرع، لكنه لم يُعد يستخدم حاليا على نطاق واسع.
ورغم تأكيد هوكنغز بأن هذا سيكون "بصورة مثالية علاجا طبيعيا وقانونيا لأنواع معينة من اضطرابات المراهقين"، فإنه أوضح أنه لم يجر اختباره على نطاق واسع على الأولاد.
لكن لا توجد إشارة إلى أنه جرت مناقشة هذه التجربة أو شرحها للمشاركين أو ما يوحي بالحصول على موافقة لإجرائها.
"أقصى قدر من الدعم"
وتظهر الوثائق أن طبيبة وزارة الداخلية الدكتور باميلا ميسون رحبت بخطة هوكنغز.
وكتبت في رسالة بتاريخ الأول من نوفمبر/تشرين الثاني عام 1967 قالت فيها: " من وجهة النظر الطبية أو العملية فإن هؤلاء الصبية قد يسببون مشاكل كبيرة داخل المدرسة وهذا النوع من البحوث المتعلقة بعلاج محتمل باستخدام العقاقير هو موضع ترحيب".
وأضافت: "سأوصى بأقصى قدر من الدعم لهذا المشروع".
ووفقا لمذكرات حول هذا الملف، فإن الاختبار أجري في عام 1968 وأعطي الصبية هذا العقار لمدة ستة أشهر.
وأكملت: "لا توجد أي وثيقة تسجل نتائج هذا الاختبار، ولم أعثر على أي ورقة منشورة في الدوريات الطبية حولها".
وتظهر الملفات أن مدير المدرسة أبلغ وزارة الداخلية بأنه "في ظل التطمينات من طبيب المدرسة، من الدكتور هوكينغز...ومن الطبيب المنتدب من شركات تصنيع الأدوية، فإن المديرين قرروا أنه لا توجد حاجة لاستشارة الآباء".
"في سرية تامة"
أعرب بوب هاميل الذي كان يعمل مدرسا في ريتشموند هيل بين عامي 1968 و1972 عن صدمته لسماع نبأ إجراء هذا الاختبار بالعقاقير.
وقال إنه يتذكر وجود بعض المصاعب داخل المدرسة، لكنه يشير إلى أنه كانت هناك علاقة طيبة بين المعلمين والتلاميذ.
وأضاف: "الأمر الذي أصابني بالصدمة حقا أكثر من أي شيء آخر هو أنه لم تُطلب موافقة الآباء ولم يُعتقد أن ذلك ضروريا من جانب القائمين على الأمر".
وأوضح أنه إذا كان علم أو غيره من الزملاء بمثل هذا الاختبار، فإنهم كانوا سيحاولون منعه أو إفشاء أمره إذا كان ذلك ممكنا.
وفيما يخص مدرسة الأحداث للفتيات في "روثويل" بالقرب من ليدز، كتبت الدكتور جويس غولبريث خطابا إلى الدكتورة باميلا ميسون في وزارة الداخلية "في سرية تامة".
وأعربت جويس عن قلقها المتزايد بشأن النهج الذي تتبعه المدرسة والاضطراب بين المعلمين.
ومن أجل تهدئة الوضع، اقترحت إعطاء عقار " هالوبريودول" لكل فتاة في المدرسة لمدة 18 أسبوعا.
"ليس هذا هو الحل"
ودعمت الدكتورة ميسون مرة أخرى هذه الخطة.
وتظهر وثائق الأرشيف الوطني محتوى رسالة الدكتورة ميسون التي قالت فيها: "أعتقد أن هذا (الاختبار) يبدو نهجا علاجيا قيما للمشاكل الحقيقية التي تنشأ من الطبيعة الخاصة للفتيات المقيمات في المدرسة وبالأخص المشاكل التي تسببها المراهقات الاصغر سنا المضطربات وغير الناضجات".
وتكشف الملفات أن شيلاغ سونر مديرة المدرسة بين عامي 1966 و1982 لم تدعم مثل هذا الاختبار.
وفي تصريح لبي بي سي، قالت سونر إن استخدام العقاقير لم يكن الحل لفتياتها.
وأوضحت: "(هؤلاء الفتيات) لم يكن أطفالا يعانون من مرض نفسي، لقد كن بحاجة إلى التعامل مع مشاعرهن".
ولم يُجر هذا الاختبار بعد أن رفضه مديرو المدرسة لخشيتهم من رأي آباء الفتيات.
المصدر: بي بي سي