رشا، 16 سنة، التي عجزت عن الالتحاق بالمدرسة عند وصولها إلى إزمير في تركيا، من القامشلي في سوريا في أغسطس/آب 2013، لافتقارها إلى تصريح إقامة. ولعجزها عن التحدث بالتركية، لم تستطع اللحاق بنظيراتها في الصف العاشر، كما لم يسمح لها بالتراجع إلى صف أدنى.
لم يذهب محمد، الذي يبلغ التاسعة، إلى المدرسة منذ 2012، حينما استولت جماعة مسلحة على مدرسته في ريف حلب. وتقيم أسرته، التي فرت إلى مدينة مرسين التركية الساحلية في مطلع 2015، في شقة صغيرة خالية من الأثاث، حيث تنام على الأرض.
محمد، الذي كان يفترض أن يكون في الصف الثالث الآن، يفتقد الذهاب إلى المدرسة. "كنت من الأوائل في صفي، وكنت أحب تعلم القراءة. لكننا الآن لا نملك حتى الكتب، أو أي شيء يتيح لي الدراسة بمفردي". يعمل في مناوبات يومية تستمر 11 ساعة في ورشة للملابس، يتقاضى فيها 50 ليرة تركية (حوالي 18 دولار أمريكي) في الأسبوع.
قبل النزاع، كان معدل الالتحاق بالمدارس الابتدائية في سوريا يبلغ 99 بالمئة، والالتحاق بالمدارس الإعدادية 82 بالمئة، مع ارتفاع مستويات التكافؤ بين الجنسين. أما اليوم فإن قرابة 3 ملايين من أطفال سوريا داخل البلاد وخارجها محرومون من المدارس، بحسب تقديرات اليونيسيف ـ مما يدمر الإنجاز السوري المتمثل في وصول الجميع تقريبا إلى التعليم قبل الحرب.
في مخيمات اللاجئين التركية التي تديرها الحكومة ويبلغ عددها 25، ينتظم قرابة 90 بالمئة من الأطفال السوريين في سن الدراسة في المدارس. ومع ذلك، يمثل هؤلاء الأطفال 13بالمئة فقط من جملة أعداد اللاجئين السوريين في سن الدراسة في تركيا. وتقيم الأغلبية الساحقة من الأطفال السوريين في تركيا خارج مخيمات اللاجئين، في بلدات ومدن، حيث تتدنى كثيرا معدلات التحاقهم بالمدارس ـ وصلت في 2014-2015 إلى25 بالمئة منهم فقط.
بعض أطفال العائلات الـ 50 التي أجرت معها هيومن رايتس ووتش مقابلات لأجل هذا التقرير، فقدوا ما يصل إلى 4 سنوات دراسية، بينما لم يسبق لآخرين، كانوا أصغر من سن الدراسة عند اندلاع الحرب في 2011، أن دخلوا المدارس قط. كما انقطعت دراسة البعض الآخر منهم للمرة الأولى عند قصف مدارسهم في سوريا أو الاستيلاء عليها من جانب جماعات مسلحة. وعند وصولهم إلى تركيا توسعت الفجوة التعليمية بالنسبة لهم، أو صارت مستديمة. وفي المتوسط، فقد الأطفال الذين أجرينا معهم المقابلات سنتين من التعليم.
بموجب القانون الدولي، على الحكومة التركية توفير التعليم الابتدائي الإلزامي والمجاني لجميع الأطفال في تركيا، وإتاحة وصولهم إلى التعليم الثانوي.
اتخذت تركيا عدة خطوات إيجابية لتلبية التزاماتها، من خلال رفع الموانع القانونية التي تحول دون وصول الأطفال السوريين إلى التعليم النظامي. ففي 2014 على سبيل المثال، رفعت الحكومة القيود التي تلزم السوريين بإبراز تصريح إقامة تركي لإلحاق أطفالهم بالمدارس العامة. بدلا من هذا، أتاحت نظام المدارس العامة لجميع الأطفال السوريين الحاملين لبطاقة هوية من إصدار الحكومة. كما شرعت في اعتماد نظام مواز من "مراكز التعليم المؤقتة" التي تقدم المناهج العربية المصدق عليها من قبل وزارة التعليم في الحكومة السورية المؤقتة، وهي مجلس وزراء في المنفى شكلته سلطات المعارضة السورية في تركيا.
لكن رغم كل هذه الجهود، لم تنجح تركيا حتى الآن في إتاحة التعليم لمعظم أطفال اللاجئين السوريين في تركيا، وخاصة للمقيمين خارج المخيمات. يجب أن يُعتبر التقدم الجدير بالثناء الذي تحقق حتى الآن، مجرد مقدمة لجهود زيادة معدلات الالتحاق.
ففي المجمل، يذهب إلى المدارس ما يقل عن ثلث الأطفال السوريين في سن الدراسة البالغ عددهم 700000، الذين دخلوا تركيا في السنوات الأربع الأخيرة ـ مما يعني أن نحو 485000 يظلون عاجزين عن الوصول إلى التعليم.
وجدت أبحاث هيومن رايتس ووتش أن عددا من الموانع القابلة للإزالة، تمنع أطفال اللاجئين السوريين المقيمين خارج مخيمات اللاجئين في تركيا من الذهاب إلى المدارس. بالأخص:
الموانع اللغوية: يواجه معظم الأطفال السوريين المتحدثين بالعربية مانعا لغويا في المدارس التركية اللغة.
العُسر الاقتصادي: يؤثر نقص المال في قدرة الأسر على دفع تكاليف النقل والمستلزمات وأتعاب التعليم ـ في حالة مراكز التعليم المؤقتة. وتتفشى عمالة الأطفال وسط اللاجئين السوريين، الذين لا تمنحهم تركيا تصاريح العمل بسبب مخاوف من تأثر سكان البلد المضيف من العاطلين. نتيجة لهذا تعتمد أسر عديدة على دخل أطفالها، حيث يعجز الأبوان عن اكتساب دخل شريف بدون تدابير حماية عمالية.
الاندماج الاجتماعي: بواعث القلق من التنمر ومصاعب الاندماج مع زملاء الفصول الأتراك تمنع بعض الأسر السورية من إلحاق أطفالها بالمدارس العامة المحلية.
علاوة على هذا كله، يجد التقرير أن بعض المدارس التركية قد رفضت التحاق أطفال اللاجئين بها أو أخفقت في تدبير احتياجاتهم على نحو معقول، وأن مراكز التعليم المؤقتة تتسم في أكثر الأحيان بالاكتظاظ. رغم أن تركيا راجعت إطارها القانوني بحيث تضمن لأطفال اللاجئين السوريين الوصول إلى المدارس العامة، إلا أن بعض الأسر السورية قالت لـ هيومن رايتس ووتش إن بعض المدارس العامة التركية واصلت المطالبة بإبراز وثائق لم تعد مشترَطة للالتحاق بها. يضاف إلى هذا أن العديد من الأسر تفتقر إلى معلومات ضرورية عن إجراءات التسجيل في المدارس في تركيا.
على سبيل المثال، قالت والدة محمد لـ هيومن رايتس ووتش إنه لم يدخل المدرسة، هو وشقيقه البالغ من العمر 11 عاما، "لأننا لا نعرف شيئا عن كيفية التسجيل، أو ما إذا كان مسموحا لهما بالذهاب". وشرحت لنا أن زوجها، نظرا لعدم حصوله على تصريح للعمل، يعمل بالمخالفة للقانون في مصنع ملابس بأجر يقل كثيرا عن أجور زملائه الأتراك. وقالت إن ابنيها الاثنين يعملان لأن دخل زوجها لا يكفي لتغطية نفقات معيشة الأسرة.
وكانت تركيا قد تحملت بالفعل عبئا لا يستهان به بصفتها البلد الذي يستضيف أكثر من مليوني لاجئ سوري، فأنفقت نحو 6 مليار دولار أمريكي بدعم محدود من المجتمع الدولي، الذي ينبغي عليه زيادة دعمه المالي وغير المالي لتركيا بغية تحسين وصول الأطفال السوريين إلى التعليم. لكن على تركيا أيضا أن تبذل المزيد لضمان إنفاذ ما وضعته من سياسات، وأن تتصدى للعقبات العملية الباقية التي تحول دون وصول الأطفال السوريين إلى التعليم، وهي تشمل:
- تنفيذ برامج معجّلة لتعليم اللغة التركية من خلال نظام المدارس العامة، للتغلب على المانع اللغوي بالنسبة للطلبة السوريين؛
- ضمان امتثال المحافظات التركية للأنظمة الوطنية، للتصدي لأدلة قيام بعض المدارس العامة بالامتناع عن الامتثال للأنظمة التي تضمن للأطفال السوريين الوصول إلى نظام المدارس العامة؛
- استغلال آليات الرصد القائمة بالفعل لتعقب المتسربين من المدارس وتشجيع الحضور؛
- الاستثمار في تدريب المعلمين وأفراد المدارس ضمن برامج مصممة خصيصا لمواجهة التحديات في تعليم تجمع سكاني من اللاجئين لا يتحدث التركية؛
- التعاون مع الشركاء التنفيذيين مثل صندوق الأمم المتحدة الدولي لطوارئ الطفولة (اليونيسيف) ومفوض الأمم المتحدة السامي للاجئين، لتزويد اللاجئين السوريين، بمن فيهم الموجودين في مناطق يصعب الوصول إليها، بالمعلومات الدقيقة بشأن إجراءات وشروط التسجيل في المدارس؛
- توفير تصاريح العمل على نطاق واسع للاجئين السوريين، بغية تمكين الأسر المحرومة من الوصول إلى تدابير الحماية العمالية وإمكانية العمل المنتظم بالحد الأدنى من الأجور، وبالتالي تخفيف المعدل المرتفع من عمالة الأطفال المنتشرة وسط أسر اللاجئين السوريين.
إن الإخفاق في التحرك العاجل لضمان وصول الأطفال السوريين إلى التعليم في البلدان المضيفة مثل تركيا قد يكون له أثر مخرب في جيل كامل من الأطفال مثل محمد. من شأن ضمان تعليمهم أن يخفض مخاطر الزواج المبكر والتجنيد العسكري، وأن يضفي الاستقرار على مستقبلهم الاقتصادي بزيادة قدرتهم على الكسب، وضمان تأهيل أطفال سوريا اليوم لمواجهة مستقبل غامض، سواء تضمن ذلك إعادة بناء بلدهم، أو مساهمتهم في المجتمعات التي يعيشون فيها في أجزاء أخرى من العالم.
المصدر : هيومن رايتس ووتش