لم يكن إستعباد 75 فتاة سورية واجبارهن على ممارسة الدعارة ضمن شبكة منظمة، بكل بشاعته وفظاعته، «مُستغربا» في بلد كلبنان. قد تكون هذه هي الخُلاصة الأبرز التي أجمعت عليها، أمس، غالبية النساء اللواتي لبيّن دعوة «المنظمّات النسوية والحقوقية اللبنانية والسورية والفلسطينية»، للإعتصام أمام قصر العدل، احتجاجا على المتاجرة بالفتيات والنساء.
صحيح أن هؤلاء النسوة نزلن لأن مشهد الإستعباد والإتجار «هابهن»، لكنه ذكّرهنّ بـمكمن الخلل الأساسي: «النظام السياسي» الذي يمثّل «أرضا خصبة» لكافة أشكال الإستعباد الذي يطاول النساء. وهو ما عبّر عنه بيان المنظّمات، إذ أدرج هذه الجريمة ضمن سلسلة جرائم ترتكب يوميا بحق النساء والفتيات في لبنان، «كجرائم العنف الذي يصل الى حد القتل داخل الأسرة (27 ضحية عنف اسري خلال 3 سنوات)، العدالة المنقوصة بفعل تهاون القضاء مع قتلة النساء، قوانين الأحوال الشخصية التي تكرّس العنف والقمع ضد النساء، الأحكام القانونية والأمنية التي تُشرّع الإتجار بالنساء وإستغلال أجسادهن، ولا سيما المهاجرات والعاملات واللاجئات منهن، بالإضافة الى الثقافة الإجتماعية الذكورية والعنصرية». هذا الواقع لم يكن، بحسب المنظّمات، لولا غياب الإرادة السياسية والمجتمعية والإستراتيجيات والقوانين لحماية النساء والفتيات من مختلف أشكال العنف والتمييز.
أبرز ما طالبت به هذه المنظّمات هو رفع الغطاء السياسي عن كل من يكتشف مُشاركته في هذه الشبكات. «الإيمان» بدور الدولة «كشريك» في جرم الإستغلال في مسألة الدعارة، يُترجم عبر شهادات بعض النساء اللواتي قلن «إن المُجرمين لن يكونوا بهذه الوقاحة إن لم يكونوا محميين». منهن من يذهبن أبعد من ذلك، ويعتبرن أن الدولة هي من «تتاجر» بنا، على حدّ تعبير نائبة رئيسة «التجمّع النسائي الديمقراطي» كارولين سكر صليبي. ترى أن هناك إرادة باستمرار هذا الواقع لأن الدولة ترى في الدعارة قطاعا يدرّ لها الأموال "وما دعايات وزارة السياحة التي تعرض فيها أجساد فتيات مُثيرات الا دليل على ذلك".
"إذا كانت الدولة تتعامل معي ككائن مُستضعف، فعليها إمّا أن تُمكّنني، وإمّا أن تحميني، هي لا تقوم بأي من المهمتين"، تقول فاطمة (26 عاما)، مُشيرة الى أن أي إمرأة «ما عندها ضهر، ستلقى مصيرا مُشابها»، وتلفت الى ازدواجية القوانين اللبنانية. تُقول صليبي في هذا الصدد: «كيف لهم أن يجرّموا الإتجار والدعارة ويستمرون في إعطاء إجازات الفنانات والمدلّكات، وهم يعرفون حجم الإستعباد والإستغلال الذي تتعرّض له هذه الشريحة من النساء». من جهتها، تقول الناشطة حياة مرشاد إن المطلوب هو التشدّد بالرقابة والحماية، «المواطن في مجتمعنا مسلوب الحقوق، فما بالك بالمرأة التي تشعر أنها كائن مُستضعف من الدولة؟»، مُشيرة الى ضرورة التصويب على القاعدة القانونية الرثة التي ترعى اضطهاد النساء.
وطالبت المنظّمات في هذا الصدد بتفعيل وتعديل وتطوير قانون حماية النساء وسائر أفراد الأسرة وقانون الحماية من الإتجار بالبشر واستحداث قانون لتجريم العنف الجنسي في لبنان والعمل على تعديل قانون العقوبات اللبناني بما يؤمن الحماية للنساء من مختلف أشكال الإستغلال الجنسي وتجريم مشتري ومتاجري الخدمات الجنسية.
حتى لو كان خيارا شخصيا، لو هي متعلمة وواصلة ما كانت راحت اشتغلت هيك شغلة، تقول أريج (25 عاما)، اللاجئة السورية التي أتت من مجدل عنجر للمشاركة في الإعتصام، مُضيفة ان الفتاة «ضلع قاصر»، ولن تقوى إذا لم «تتعلّم». تبدي خوفها من أن تلقى المصير نفسه، «فالعقلية واحدة هنا وفي سوريا»، برأيها أن النضال سيكون واحدا في البلدين.
المصدر: الاخبار