غالباً ما نتحدّث عن تلوّث الهواء الخارجي، متناسين أن في بيوتنا وغالبية الأماكن المغلقة التي نمارس فيها 90% من غالبية نشاطاتنا اليومية، مصادر للتلوث تجعل الهواء الداخلي «فاسداً» بنسبة تتعدى الخارج بعشر مرات. هذه النسبة التي تحمل معها أمراضاً قد تصبح مع الوقت مزمنة، إذا لم نتنبه لكيفية معالجة آثار تلك المصادر، ولو بالحدّ الأدنى
«مرض متلازمة البناء». هذه ليست مجرّد تسمية. هذه حالة طبية مرتبطة بسوء نوعية الهواء الذي نتنشّقه في الأماكن المغلقة. منازلنا التي تؤوينا ومكاتب عملنا هي أكثر الأمكنة التي «تنمو» فيها عوارض المرض، التي يتقدّمها الصداع والتهاب الحلق وتهيّج العينين. واللافت في ذلك المرض أنّه مرتبط بتلك الأماكن، إذ أنّه بمجرّد الخروج منها، يخبو ويختفي تدريجياً.
مع ذلك، لا يعني استنشاق الهواء الداخلي أن هذه العوارض هي أقصى ما يمكن حدوثه، فاستمرار وجود الهواء «الفاسد» في بيوتنا سيؤدي حتماً إلى التسبب بإصابتنا بأمراضٍ، لعلّ أوّلها حساسية الصدر، التي تترافق عادة مع نوبات ربو وضيق في التنفّس وتحسّس ودمع بالعينين، وحمّى القشّ التي تتسبّب بالعطس المتكرر مع سيلان الأنف واحمرار العين.
على هذا الأساس، وبما أنّنا نقضي معظم أوقاتنا داخل المنزل أو في المكتب، يتوجّب علينا أن نحافظ على «مستوى» للهواء الداخلي، بحيث يكون أنقى من الخارجي، على الأقل. هذا ما يقوله المبدأ. ولكن، ما يقوله الواقع، فشيء آخر، خصوصاً مع «جهلنا» بوجود مصادر تلوث كثيرة داخل المنزل. أو في أحسن الأحوال، مصادر تلوّث لا نتنبه لوجودها. وهي أخطر من المصادر الخارجية. ففي داخل الأماكن المغلقة، مثلاً، يمكن أن تبلغ مستويات «المركّبات العضوية» التي تتطاير في الهواء عشر مرّات أكثر مما هي موجودة في الخارج. أضف إلى ذلك أن هذه «الجسيمات» التي نستنشقها من الهواء الداخلي الملوّث تتسبّب في حدوث نسبة تزيد على 50% من وفيات الأطفال دون سن الخامسة، بسبب الالتهاب الرئوي (حسب إحصاءات منظمة الصحة العالمية لعام 2014(.
وتأتي المهيجات المنزلية من مصادر مركبات عضوية متنوعة، يمكن إيجادها في منتجات كثيرة، بدءاً بالمواد المستعملة في البناء، مروراً بالدهانات والشموع والمذيبات ومواد التنظيف ومستحضرات التجميل، وصولاً إلى المحروقات ومواد كثيرة غيرها.
والسؤال هنا: ما هي أكثر المصادر التي تتسبب بتلوّث الهواء داخل المنزل؟ وما هي البدائل عنها؟ والحلول؟
للإجابة عن هذا السؤال، سنستعرض بعض أبرز المصادر التي لا نتنبه عادة لمخاطر التلوث فيها.
الأرضية
لا ينتبه معظم السكان الذين يستخدمون الموكيت في بيوتهم إلى أن المواد التي يستخدمونها بغرض تثبيته، مثل بعض أنواع الغراء، تنبعث منها مواد كيماوية متطايرة تعمل على تلويث الهواء داخل المنزل. فلذلك، بعد تثبيت الموكيت، يجب تهوئة المنزل جيداً عن طريق فتح جميع النوافذ مع تشغيل المروحة لمدة يومين أو ثلاثة كحدٍّ أقصى.
كذلك نلاحظ أن هناك بعض المنازل والقاعات المفروشة بالموكيت، والتي تُترك سنوات عدّة قبل الشروع في تغطيتها. هؤلاء مثلاً لا يعلمون أن البكتيريا والجراثيم والأتربة، التي تكون قد تكدّست داخلها ستصبح لاحقاً سبباً رئيسياً في أمراض الحساسية، خاصة حساسية الجلد والعين وكثرة التهاب الحلق. لذلك، من الأفضل اختيار الأرضيات ذات السطح الصلب سهلة التنظيف، واستعمال المكنسة الكهربائية بانتظام.
مصابيح «الفلورسانت» المكسورة
عندما ينكسر مصباح الفلورسانت (النيون)، ينبعث منه الزئبق بكميات صغيرة في الهواء. هنا، في هذه الحالة، يجب عدم استخدام المكنسة، لأنها سوف تبعثر كميات من الزئبق عند كل استعمال. إذا حدث وانكسر المصباح، ما عليكم سوى فتح النوافذ، والخروج من الغرفة لثلاث ساعات على الأقل.
الإلكترونيات الحديثة الشراء
ينبعث من هذه الأجهزة مادة «الفتالات»، التي تم ربطها مؤخراً بحدوث تشوّهات هرمونية ومشاكل في الإنجاب. لذلك، فإن تهوئة المنزل جيداً عند شراء أجهزة جديدة ضرورية للغاية حتى تبدد الرائحة. كما يجب «الشفط» بانتظام حول أجهزة الكومبيوتر والطابعات وأجهزة التلفزيون، باستخدام المكنسة الكهربائية.
معدات التدفئة (مثل أجهزة التدفئة والمواقد والمداخن(
تنتج المعدات الحرارية، خاصة مواقد الغاز، أول أوكسيد الكربون الذي يمكن أن يسبب الصداع والدوار والتعب، إذا لم يكن المكان جيّد التهوئة. كما يمكن أن ينبعث غاز ثاني أوكسيد النيتروجين من تلك المعدات، والذي يتسبب بمشاكل في الجهاز التنفسي والتهاب العين والأنف والحلق. من هنا، وجب التشديد على أهمية الصيانة الدورية لأجهزة التدفئة المواقد والأفران مرة واحدة سنوياً على الأقل للتأكد من عدم وجود أي تسريبات.
الدهانات والمواد المانعة للنَش
تجدر الإشارة إلى أن دهانات اللاتكس والمذوبة بالماء أفضل بكثير من دهانات الزيت لأنها تجف بصورة أسرع. لكن، هذا لا يعني أنها لا تبث مواد كيميائية متطايرة ضارة. فعند طلاء المنزل، يجب التهوئة لمدة لا تقل عن أسبوع، كما يجب ارتداء قناع على الوجه أثناء العمل بهذه الدهانات، كونها تحتوي على ثنائي الفينيل المتعدد الكلورة.
الأثاث الخشبي الجديد
تنبعث في كثير من الأحيان مادة الفورمالديهايد من الأثاث والمنتجات الخشبية المصَنعة، وهي مادة تسبب تهيج العين والأنف والحلق السعال الطفح الجلدي والحساسية الشديدة لدى الكثير من الناس. لذلك، يجب تهوئة المنزل لعدة أيام متواصلة.
خطورة وجود العفن والفطريات داخل المنزل
تتفاقم الحساسية بسبب وجود جراثيم العفن خصوصاً في الحمامات والمطابخ. فجراثيم العفن تحديداً تتولد نتيجة الرطوبة، لذلك من الضروري العمل على محاربة الرطوبة وتخفيض حرارة المنزل إلى نحو 18 درجة واستعمال الفلترة والتهوئة لتنقية الهواء الداخلي. فعلى سبيل المثال، للتخلص من العفن، اختاروا الأرضيات ذات السطح الصلب، كبديل من السجاد الذي يشجّع العفن على النمو.
التدخين
بكل أنواعه يعدّ من أهم الملوثات داخل المنزل، سواء السلبي منه أو الإيجابي.
مستحضرات التنظيف
المستعملة داخل المنزل على أنواعها، كذلك المبيدات الحشرية التي تحتوي على الكلوروبنزين. المركبات العضوية المتطايرة من هذه المواد يمكن أن تهيج العينين والأنف والحنجرة وتسبب الصداع ومشاكل الجلد والربو، وتعتبر ضارة جداً.
معطرات الجو
تحتوي على الفورمالدهيد وهو غاز عديم اللون نافذ الرائحة يسبب أزمات ربو وتهيج في العينين حتى أنه يعتبر من أحد العوامل المسببة لمرض السرطان. فاستعمال الأيروسول يحتوي على ثلاثي كلوروالايثان، الذي يؤذي طبقة الأوزون، كما يلحق الضرر بالجهاز التنفسي.
غاز الرادون
وهو من المخلفات المشعة (اليورانيوم)، التي لا لون لها ولا رائحة وتتسرب بشكل أساس إلى المنازل عبر الأرضيات.
لكن، أمام كل هذا، ما الحل؟ قد يكون من أسهل الحلول تزيين المنزل بالنباتات، وهي التي تساعد في تنقية الهواء الداخلي بواسطة التبادل بين النبتة والبيئة المحيطة بها، ما يسمى بآلية التعرق، حيث يجري امتصاص المواد الملوثة من الهواء من خلال أوراق النباتات التي بدورها تطلق بخار الماء الذي يحسن بشكل ملحوظ الرطوبة ومحتوى الأوكسيجين الداخلي.
إلى ذلك كله، هناك مبدأ أساس، وهو التهوئة من خلال فتح النوافذ بانتظام لمدة عشر دقائق على الأقل يومياً، وحتى لو كان الجو بارداً. وهنا، يمكن الإعداد والتجهيز لعمليات التهوية في المنزل منذ لحظة إنشاء المنزل، بحيث يجري تصميم نوعين من النوافذ في المنزل: نوافذ صغيرة وهي نوافذ خروج الهواء وتكون أعلى من مستوى رأس الإنسان ونوافذ لدخول الهواء البارد، على أن تكون مطلة على مناطق مظللة ويكون ارتفاعها عن الأرض لا يزيد على 90 سم. وتساعد هذه الطريقة في دخول تهوية طبيعية سليمة للمنزل مع التقليل من دخول الحرارة.
وتجدر الإشارة إلى أنّ معالجة ما أمكن من تلوث الهواء الداخلي يساهم جدياً في بلوغ الأهداف الصحّية المرجوّة، ولعل أهمّها تخفيض معدل وفيات الأطفال وتحسين صحة الأمومة وتجنيب الأشخاص الذين يعانون من حساسية تنفسية أو انسداد رؤي خطر التسبب لهم بارتكاس تحسسي أو تنفسي مضّر، عبر التقليل من كمية المهيجات المتأتية من الملوثات داخل المنزل.
المصدر: الأخبار
http://al-akhbar.com/node/273717