عرفت الحضارات القديمة عند معظم الأمم مسرح الأطفال، ولكن بشكل محدود كان يعتمد أساساً على مسرح الدمى، وخيال الظل، وقد احتل هذا الفن مكاناً مرموقاً بين الفنون الأخرى.
وفي العصر الحديث أخذ مسرح الأطفال طابعاً جديداً، ولم يعد المسرح وسيلة للتسلية والترفيه فحسب، بل أصبح وسيلة فعالة للتعليم والتثقيف، ونشر الأفكار، وصار يستخدم أداة فاعلة في مساعدة المعلمين في تدريس كثير من المواد العلمية والمنهجية، ونقلها إلى الأطفال بأسلوب يعتمد عنصري التشويق والتبسيط بما يعود بالنفع والفائدة على الأطفال في مراحل طفولتهم المختلفة.
أما بالنسبة لنشأة مسرح الأطفال وتطوره، فقد كان أول ظهور لمسرح الأطفال في فرنسا (1784)، بعرض مسرحية (المسافر)، وقام بتمثيل الأدوار فيها أبناء الدوق شارتر، ثم عرضت مسرحية (عاقبة الفصول) التي ركزت على تقديم المواعظ الأخلاقية.
سبق الصينيون فرنسا في مجال مسرح الأطفال، واشتهروا برقصاتهم بالسيوف، كما اشتهروا باحتفالات الأعياد الدينية، وظهر عندهم أيضاً مسرح خيال الظل ومسرح العرائس، وظهر هذا الفن في الهند واليابان واليونان، وفي رومانيا: إذ كان مسرح الأطفال يتميز بالمناظر الجميلة التي يحبها الأطفال ويقبلون عليها بشغف، وكان مسرحهم يركز على الاحتفالات الدينية، إضافة إلى الرقص والغناء، وظهر هذا الفن في إنكلترا، وإيطاليا وألمانيا وروسيا وأمريكا.
وفي البلاد العربية كان ظهور أول مسرح للأطفال بشكل واضح ومعروف، في مصر عام ،1964 ثم توالى الاهتمام بمسرح الأطفال بأشكاله المختلفة في مصر. وفي سورية: بدأ الاهتمام بالمسرح المدرسي، وكذلك بمسرح العرائس، إذ ظهرت فرق فنية مدربة على تحريك العرائس في مسارح الأرجواز وخيال الظل، ثم ظهر هذا الفن المسرحي في لبنان وفي العراق والكويت والمغرب العربي والأردن.
وتأخذ مادة النص المسرحي للأطفال وموضوعاتها من: الأساطير، والتاريخ، والحياة الواقعية، والخيال، والتجارب الشخصية للأديب.
والكاتب المسرحي الذي يكتب للطفل يشتق نصه المسرحي من أي شيء يعرض له، إذا كان يحقق هدفاً مفيداً للطفل، ولكن على الكاتب المسرحي أن يضع نصب عينيه الملاحظات التالية:
إن مواضيع السلام لا تؤثر في الأطفال لافتقارهم إلى التجربة.
أما موضوع حسن الجوار داخل الوطن وخارجه فقد يكون ذا تأثير على الأطفال، والمواضيع ذات الصيغة التعليمية الصريحة تقود الطفل إلى الملل. ويستمتع الطفل بالمواضيع التي تتناول مشكلات اجتماعية ومثلاً أخلاقية.
ويجب أن تؤكد الموضوعات وتركز على غرس الأفكار والعادات الجيدة وتنمية أذواق الأطفال وحبهم للخير، وكذلك الاهتمام بالموضوعات التي تحفز الأطفال إلى الإبداع والتفكير الخلاق، والاهتمام بالموضوعات التي تحارب الأوهام والخرافات والتقاليد الضارة، وأن تعبر الموضوعات عن الصراع من أجل حياة أفضل، ولا يحب الطفل المسرحيات ذات السمة الغرامية وأن لا يبالغ في العنف في العمل المسرحي لأنه يسبب الخوف للطفل من مشاهدات عملية قتل أو مشاهدات الدم.
ويجب أن تنتهي مسرحيات الأطفال نهايات عادلة تدعو إلى التفكير. كما يرتاح الأطفال للمسرحية التي يوزع فيها الثواب والعقاب بالتساوي.
أما بالنسبة لخصائص مسرح الأطفال فينبغي أن يكون موضوع المسرحية متناسباً مع عمر الأطفال الذين كتبت لهم المسرحية تلافياً لملل الأطفال، يراعى أن يكون طول المسرحية المكتوبة للأطفال ما بين (45 ـ 75) دقيقة.
أـ الأطفال بين (3 ـ5) سنوات:
أن تكون المسرحية التي تقدم لأطفال هذه المرحلة بسيطة، واضحة مشوقة، وتعتمد على المحسوسات وتعتمد على الحركة أكثر من اعتمادها على الكلام، وتستخدم الرسوم المتحركة والعرائس.
ب ـ من (6 ـ8) سنوات (مسرحيات الخيال الحر)
أهم سمات المسرحية التي تقدم لأطفال هذه المرحلة:
ـ وضوح الفكرة وبساطتها، خيالية، تشمل على نوع من المغامرات.
تتضمن العرائس أو المسرح البشري أو كليهما.
وتشتمل على نوع من التوجيه التربوي والاجتماعي.
ج ـ (من 9 ـ12) سنة (مسرحيات مرحلة البطولة والمغامرة)
وأهم سمات المسرحيات في هذه المرحلة ما يلي:
أن تتضمن صوراً من البطولة والمغامرة والشجاعة.
أن تصور أحداثاً من واقع الحياة.
أن تتضمن معلومات علمية.
أن تهدف إلى التوجيه التربوي والاجتماعي.
أن تؤكد القيم الدينية والأخلاقية.
أن تنمي في الطفل الروح القومية.
د ـ (من 12 ـ15) سنة (مسرحيات المرحلة المثالية)
يميل الطفل في هذه المرحلة إلى الرومانسية و قصص المغامرات الممزوجة بالعاطفة، وقد يشاهد دراما الكبار.
ويجب أن يراعى في مسرحيات أطفال هذه المرحلة مايلي:
تأكيد الجوانب التربوية.
تأكيد جانب المثل العليا.
أن تتضمن معلومات تاريخية ودينية.
أن تخاطب العقل.
ويرتبط مسرح الأطفال بالمسرح المدرسي، فهو ذلك الوسيط التربوي الذي يتخذ من المسرح شكلاً ومن التربية وتعليمها مضموناً.
وهو يستخدم تقنيات مسرحية بسيطة مثل الديكور البسيط المعبر والملابس البسيطة الدالة على الشخصيات، والإضاءة الجذابة البسيطة دون مغالاة في عناصر العرض المسرحي.
والمسرح المدرسي له خصوصية تتمثل في عرض الموضوعات التربوية والمناهج الدراسية والقضايا التربوية المختلفة التي تهم الطالب خلال المراحل الدراسية المختلفة.
والمسرح المدرسي يعمل على صقل شخصة الطالب وتهذيبها وتعليمها السلوكيات الإيجابية، ويعمل على تكاملها وانخراطها في المجتمع.
كما أنه يعتبر النواة الأولى التي رفدت الحركة المسرحية بكوادر فنية هامة نقلت هذا الفن إلى درجة عالية من التطور والازدهار.
وأكبر دليل على ذلك هو أن معظم الفنانين في جميع البلدان كانت بداياتهم في المسرح المدرسي.
ونظراً لأهمية المسرح المدرسي ودوره الإيجابي وتأثيره على سلوكيات الطلاب وتكامل شخصياتهم، فإن وزارات التربية والتعليم في معظم أنحاء العالم اهتمت به وأعدت له الخطط والبرامج والفعاليات الضرورية له.
ولا بد هنا من الوقوف عند أهدف المسرح المدرسي: إن أهداف المسرح المدرسي كثيرة تحددها أهميته وخصوصيته كعامل أساسي يساعد الطلاب على التكيف مع الحياة ومعرفة معانيها، ومن أهدافه الاجتماعية:
ان يعوّد الطالب على التعاون، ويرسخ لديه احترام الوالدين. وينمي في الطلبة الاعتماد على أنفسهم. وتحمّل المسؤولية اتجاه أنفسهم واتجاه الآخرين. ويعوّدهم على حب العمل، والصبر والمثابرة. ويعرّفهم على تقاليد المجتمع وعاداته، كما يساعدهم على تقدير قيمة الوقت، ويقوي العلاقات الاجتماعية بين الطلبة والمعلمين.
أما بالنسبة للأهداف المعرفية فإنه:
يكسب الطلبة المهارات الأساسية للغة العربية كوسيلة اتصال استماعاً ونطقاً وقراءة وكتابة.
يوضح للطلبة قواعد التربية المرورية السليمة.
يعمل على زيادة الثروة اللغوية لدى الطلبة.
يبين للطلبة أهمية احترام العمل اليدوي.
يدين للطلبة أهمية المحافظة على الأرض والثروات الموجودة فيها.
يعرف الطلبة على التفكير بأسلوب علمي وموضوعي.
يعوّد الطلبة على اتباع الخطوات العلمية وتحديد المشاكل.
أما الأهداف الجمالية والثقافية:
المسرح المدرسي يعرّف الطلبة على ميولهم الشخصية ومواهبهم الفنية. كما يعرّف الطلبة على الألوان، وتنسيقها وتمييزها. ويتذوق الطلبة الجمال في الأعمال الفنية، ويساعدهم على إتقان بعض الأعمال اليدوية بأشكالها المختلفة.
ومن الأهداف النفسية:
نجده ينمي لدى الطلبة الثقة بالنفس، ويفسح المجال للطلبة للتعبير عن آرائهم. ويعلّم الطلبة التركيز والانتباه والإصغاء جيداً ويعوّد الطلبة على الجرأة الأدبية.
ومن هنا فالمسرح يعمل على التنفيس لدى الطالب من خلال ما يعرض أمامه، فهو يجد نفسه يفرّغ كل طاقته بكل ما يرى، ويعبر عن عواطفه المكبوتة ورغباته التي يخفيها.
وهذا ما يعرف في علم النفس بـ (الاتزان النفسي)، ويعرف كذلك في فن المسرح بـ (التطهير)
فالطالب من خلال مشاهدته لما يرى في المسرح المدرسي يطلق العنان لعواطفه لكي يعبر عما في داخله، ويحس بأن غيره استطاع التعبير عما في نفسه.
كما يحقق المسرح المدرسي المتعة والسرور باعتباره يحتوي على العناصر الفنية المختلفة: الديكور، الإضاءة، الملابس، الموسيقى
ويتيح للطالب أيضاً فرصة وإمكانية التقمص لأدوار ومحاكاة الشخصيات المختلفة التي تحقق المتعة في نفس الطالب المؤدي وفي نفس الطالب المتلقي أيضاً.
وهذا الفن المسرحي يقضي على بعض المظاهر السلوكية والنفسية عند بعض الطلاب، مثل الخجل والخوف والارتباط والانطواء النفسي، فيعمل على إزالتها من خلال اشتراك الطالب في العروض المسرحية ومشاهدتها والتعود على مقابلة الجمهور دون خوف أو خجل.
ويتيح المسرح المدرسي للطالب التعرف على هذا الفن وقواعده ومبادئه واكتساب خبرات جديدة في التمثيل والإخراج والديكور والإضاءة وجميع عناصر العرض المسرحي.
ولقد لخص (مارك توين) أهمية إنشاء المسرح وقيمته فيما يلي:
فقد كتب إلى أحد المعلمين: أعتقد أن مسرح الأطفال من أعظم الاختراعات في القرن العشرين، وأن قيمته التعليمية الكبيرة التي لا تبدو واضحة، أو مفهومة في الوقت الحاضر، سوف تتجلى قريباً.
إنه أقوى معلم للأخلاق، وخير دافع إلى السلوك الطيب اهتدت إليه عبقرية الإنسان، لأن دروسه لا تلقن بالكتب بطريقة مرهقة أو في المنزل بطريقة مملة، بل بالحركة المنظورة التي تبعث الحماس وتصل مباشرة إلى قلوب الأطفال.
إن كتب الأخلاق لا يتعدى تأثيرها العقل، وقلما تصل إليه بعد رحلتها الطويلة الباهتة، ولكن حين تبدأ الدروس رحلتها من مسرح الأطفال، فإنها لا تتوقف في منتصف الطريق، بل تمضي إلى غايتها.
المصدر: جريدة النور