كيفية صياغة السياسات والبرامج لجعل الفرص العادلة واقعاً يعيشه كل طفل

"عدم المساواة خيار. وتعزيز المساواة - فرصة عادلة لكل طفل، ولجميع الأطفال - هو أيضا خيار. وهو خيار يمكننا أن نحققه، ويجب أن نحققه. من اجل مستقبلهم، ومستقبل عالمنا".

- انتوني ليك – المدير التنفيذي لليونيسف

قد تبدو آفاق الحياة بالنسبة للأطفال العالقين في شباك الفقر والحرمان المتوارث من جيل إلى آخر وكأنها مسألة حظ – أي أشبه بسحب غير موفق لورقة يانصيب تقرر مَن من الأطفال سيموت ومن سيعيش أو من سيمتلك ما يكفي من الطعام أو من سيستطيع الذهاب إلى المدرسة أو الطبيب أو اللعب في مكان آمن. 
لكن وعلى الرغم من أن أصول الأطفال تلعب إلى حد بعيد دوراً في مصائرهم، إلا أن الفرص المتاحة لهم ليست كذلك. فهذه الفرص هي نتاج قرارات – قرارات تؤخذ في مجتمعاتنا المحلية ومجتمعاتنا الكبيرة والمؤسسات الدولية وقرارات تؤخذ قبل كل شيء من قبل حكوماتنا.
نحن نعلم أن القرارات الصائبة قادرة على تغيير حياة ملايين الأطفال – نعلم ذلك لأننا كنا شهوداً عليه وهو يحدث. لقد ساعدت مبادرات التحرك الوطني والشراكات الجديدة والالتزامات الدولية في إحداث تغيير هائل بل وتحولي على هذا الصعيد. فاحتمال العيش في الفقر للأطفال الذين يولدون اليوم أقل منه للذين ولدوا قبل 15 عاماً. كما أن نسبة الذين يعيشون ليحتفلوا بعيد ميلادهم الخامس ويدخلوا المدرسة أعلى مما كانت عليه بما يزيد عن 40 في المائة. 

بيد أن هناك عدداً كبيراً جداً من الأطفال لم ينالوا قسطاً من هذا التقدم. 
يجب أن يكون الوصول إلى هؤلاء الأطفال المنسيين في صميم جهودنا الرامية إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة التي تتعهد بألا تترك أحداً منهم خلفها. ولن يتسنى لنا بلوغ أهداف التنمية لعام 2030 ما لم نقم بتسريع وتيرة التقدم الذي نحرزه على صعيد الوصول إلى الأطفال الأكثر حرماناً وضعفاً، والأشد معاناة من الإقصاء في العالم.

وما لم نتحرك الآن، فإنه وبحلول عام 2030:

سيعيش أكثر من 165 مليون طفل على مبلغ لن يزيد عن 1.90 دولار في اليوم – 9 من أصل 10 منهم سيعيشون في بلدان منطقة أفريقا جنوب الصحراء الكبرى.

سوف يموت نحو 70 مليون طفل تحت سن 5 سنوات بسبب أمراض يمكن الوقاية منها إلى حد كبير – كما أن احتمال أن يموت الأطفال من بلدان منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى أكبر بعشر مرات من احتمال أقرانهم من البلدان ذات الدخل المرتفع.

سيكون أكثر من 60 مليون طفل أعمارهم بين 6 سنوات و11 سنة خارج المدرسة – وهو رقم يضاهي تقريباً الرقم الموجود حالياً.

ستتزوج 750 مليون امرأة وهن في سن الطفولة.

SOWC design

يتعين علينا أن نحقق انحساراً في اتجاه هذه الأرقام، ونحن قادرون على ذلك. إن انعدام المساواة ليس أمراً حتمياً أو واقعاً لا يقهر. فعن طريق الاستثمارات الصحيحة في الوقت الصحيح يمكننا الحد من أوجه انعدام المساواة التي تحد من فرص الأطفال في زماننا هذا بحيث يحيون حياة أكثر إنتاجاً عندما يكبرون، ومن ثم يوفروا فرصة أكبر لأطفالهم. إننا قادرون على تحويل حلقة الحرمان المفرغة إلى حلقة مثمرة من العدالة والإنصاف ننعم جميعاً بفوائدها.

إن تقرير منظمة اليونيسف عن وضع الأطفال في العالم لعام 2016 هو بمثابة دعوة من اليونيسف من أجل العمل، تحث فيه المنظمة الحكومات والشركاء الإنمائيين على ترجمة الالتزامات المتعلقة بأهداف خطة التنمية لعام 2030 إلى إجراءات مادية ملموسة للوصول إلى الأطفال الأكثر حرماناً.

استناداً إلى عمل اليونيسف وشركائها، تمثل المجالات الأساسية الخمسة –وهي: المعلومات والتكامل والابتكار والاستثمار والمشاركة- السبل العريضة، والمتداخلة غالباً، نحو العدالة. وتنطوي هذه المجالات على مبادئ العمل والنقلات الحاسمة التي بمقدورها أن تساعد الحكومات والشركاء الإنمائيين والمجتمع المدني والمجتمعات المحلية على صياغة السياسات والبرامج التي تنطوي على إمكانية جعل تلك الفرصة العادلة واقعاً يعيشه كل طفل.

سبل تحقيق العدالة

المعلومات

المعلومات- إن امتلاك بيانات واسعة عمن فاتهم ركب التنمية وكيف تصل البرامج، أو تخفق في الوصول، إلى من يعانون القدر الأعظم من الفاقة، هو مبدأ العمل الأول في التنمية العادلة. تساعد البيانات المصنفة بحسب العوامل التي تسهم في الحرمان –بما في ذلك الثروة ونوع الجنس والإثنية واللغة والمكان- في التعرف على الأطفال الأكثر فقراً. بمقدور الحكومات والشركاء الإنمائيين، إذا ما تسلحوا بهذه البيانات، أن يوجهوا برامجهم نحو زيادة الفرص –على سبيل المثال عن طريق التحويلات النقدية التي تساعد العائلات على تسديد الرسوم الدراسية. 
من خلال وضع أهداف العدالة الوطنية –ومراحل إنجاز نحو تحقيق تلك الأهداف- تستطيع الحكومات توجيه التقدم على صعيد إنجاز أهداف خطة التنمية المستدامة لعام 2030 وتحسين مستوى معيشة مواطنيها الأصغر سناً والأشد حرماناً.

التكامل

إن التكامل في النهج الذي ننتهجه في البرمجة والسياسات والتمويل قادر على التعامل بشكل أفضل مع الأبعاد المتداخلة للحرمان الذي يؤثر على صحة الأطفال وتعليمهم وجوانب كثيرة جداً من حياتهم. يعدُّ التكامل بين التدخلات في مختلف هذه القطاعات أكثر فاعلية من التعامل معها كلاً على حدة. فعلى سبيل المثال، تم ربط برامج التغذية في المدرسة بزيادة مستوى التعلم والتطور الإدراكي في بنغلاديش.
وفي الوقت الذي أخذ يطول فيه أمد النزاعات وتتزايد الأزمات، فإن ردم الهوة بين الجهود الإنسانية والإنمائية قادر على مساعدة البلدان على الاستعداد بشكل أفضل لتلبية احتياجات الأطفال المستضعفين عندما تندلع الأزمات – فيما يتم استخدام الاستجابة الطارئة لإرساء أسس بناء مجتمعات محلية ونظم أقوى وأكثر قدرة على مواجهة الأزمات.

الاستثمار

بمقدور الاستثمار الذي يستهدف الأطفال الأكثر حرماناً أن يمنحهم فرصة المنافسة على قدم المساواة مع الأطفال القادمين من أوساط ميسورة. وينبغي أن تولي القرارات المتعلقة بتخصيص الميزانيات اهتماماً خاصاً للأثر الواقع على الأطفال والأسر الأكثر فقراً وحرماناً. ويمكن أيضاً أن ينبثق عن الشراكات بين القطاعين العام والخاص، آليات مبتكرة لتمويل التنمية وتزويد الأطفال والمجتمعات المحلية الأكثر معاناة من الإقصاء بالمستلزمات المهمة كاللقاحات، والناموسيات المعالجة بمبيدات حشرية، والمغذيات التكميلية. ومن بين أكثر الأمثلة نجاحاً على مثل هذه الشراكات المبتكرة، التحالف العالمي للقاحات والتحصين الذي يسهم في صياغة الأسواق وجعل أسعار اللقاحات معقولة بالنسبة للبلدان النامية. 

الابتكار

من شأن الابتكار في التنمية أن يساعد في زيادة فعالية وجدوى عملية إيصال السلع الأساسية والخدمات والفرص إلى الأطفال والمجتمعات التي يتسم الوصول إليها بأقصى درجات الصعوبة. وتتراوح الابتكارات ما بين التطبيق المبدع للتقنيات الجديدة الواعدة، من قبيل نقل عينات الدم بواسطة طائرات بدون طيار للتشخيص المبكر لفيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز) عند الرضع، إلى الحلول المحلية المبتكرة من قبيل المدارس العائمة في المناطق المعرضة لمخاطر الفيضانات، والأشكال الجديدة لتمويل الشراكات.

المشاركة

تعد المشاركة جانباً جوهرياً من جوانب التنمية المستدامة. إن التغيير الدائم لن يأتي من القمة إلى القاعدة –فهذا التغيير يستمد وقوده من الحركات الاجتماعية والمجتمعات المحلية التي يتم إشراكها في التنمية بما في ذلك فئة الصغار أنفسهم. يمكن للحكومات والمنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني التي تعمل مع المجتمعات المحلية عن كثب أن تواجه بصورة أكفاً التحديات المشتركة كآثار التغير المناخي وانتشال الأطفال من براثن الفقر المدقع، وتعزيز حقوق الفتيات والنساء، وزيادة فرص الجميع –بصورة أساسية- كي يتسنى للأطفال الذين يولدون في الفقر والنزاعات والحرمان إدراك حقهم في فرصة عادلة في الحياة.
ومن خلال العمل المنسق والمسترشد بهذه المبادئ الخمسة، يمكننا الحد بشكل كبير من أوجه عدم تكافؤ فرص الأطفال خلال جيل واحد. إن القيام بذلك هو الصواب بعينه وهو الذكاء بعينه. لقد حان الوقت كي نرسم طريقنا نحو عالم أكثر إنصافاً.

المصدر: اليونيسف