المدن الصديقة للطفل استثمار المكان والإنسان

بدأنا نسمع بما يسمى بالمدن الصديقة للطفل، بعد عام 1996، وهي مبادرة تم إطلاقها من قبل الأمم المتحدة بعد مؤتمرها الثاني حول المستوطنات البشرية،  الذي يهدف إلى جعل المدن أماكن قابلة للحياة لكل الفئات البشرية.

وركزت المبادرة على المدن،خصوصًا حين نعرف أن نصف سكان الأرض يعيشون داخل المدن، وأصبح التكدس السكاني يؤثر في الخدمات المقدمة، وخصوصًا لفئة الأطفال التي يجب أن تكون الخدمات لها في متناول الجميع، وهذا الأمر يؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على الحقوق المتفق عليها دوليًا للطفل ويعيق تنفيذ بنودها وتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية الثانية.

اشتراطات المدن الصديقة للطفل 

وضعت لهذه المبادرة لتتحقق تسعة معايير وعناصر يجب تحقيقها حتى نطلق عليها عبارة «مدن صديقة للطفل» وأبرزها: أن  تضمن حق الأطفال والشباب في التأثير في القرارات المتعلقة بمدينتهم، والتعبير عن رأيهم في المدينة التي يريدونها، والمشاركة في الأسرة والمجتمع والحياة الاجتماعية، والحصول على الخدمات الأساسية، كالرعاية الصحية والتعليم والسكن، والحصول على ماء صحي آمن صالح للشرب، واستخدام مرافق صحية لائقة، والحماية ضد الاستغلال والعنف وإساءة المعاملة، كما تضمن لهم السير الآمن في الطرقات، اللقاء مع الأصدقاء واللعب معهم، الحصول على مساحات خضراء للزراعة وتربية الحيوان، الحياة في بيئة خالية من التلوث، المشاركة في الأحداث الثقافية والاجتماعية. وأن يكونوا مواطنين يتمتعون بفرص متساوية في مدينتهم في الحصول على جميع الخدمات، بغض النظر عن العرق أو الدين أو الدخل أو النوع أو الإعاقة.

نماذج عالمية       

بيزانسون الفرنسية: وهي مدينة شرق فرنسا في منطقة دوبس، وللمدينة تاريخ وحضارة قديمة منذ العصور الرومانية، ولها تضاريس جغرافية هامة ومتنوعة وتقع على الحدود مع سويسرا، وتم الإعلان عنها كأكثر مدينة خضراء في فرنسا لكثرة تنوع أشجارها، ولها تراث غني تاريخيًا وثقافيًا ومعماريًا وضعت على لائحة التراث العالمي، وهذه المدينة مستهدفة حسب موقع ويكيبيديا من الصحافة والإعلام لنوعية حياتها التي تتسم بالرفاهية ولجهودها في الاختراعات وكونها سباقة في استعمال التقنية الحديثة في مجتمعها وتتحقق فيها المعايير العالمية لجودة الحياة ونوعيتها، حيث إنها في المركز الأول للتنوع البيولوجي والأولى من حيث حالة السكان الصحية، وأول مدينة خضراء من حيث كثافة الغطاء النباتي والاهتمام بالتشجير فيها، كما أن فيها أفضل عروض التنقل عن بعد داخل المقاطعة ومصنفة أنها الرقم الأول في تحقيق سنوي بعنوان:«أين علي العيش في فرنسا» وحصلت على لقب مدينة مزهرة عام 2007، وعام 2002 على كأس الديمقراطية التشاركية  في البناء الحضاري بين سكان المدينة على اختلافهم وتعدد دياناتهم التي تتنوع بين المسيحية والإسلام واليهودية والبوذية، ولم يسجل في تاريخها حوادث عنف أو عنصرية أو طائفية وسجلتها اليونسيف كمدينة صديقة للأطفال وحصلت على المركز الثاني في فرنسا في موضوع إدماج ذوي الحاجات الخاصة في المجتمع وتوفير سبل الراحة والحياة لهم في كافة أرجاء المدينة.

برلين الألمانية: وتحمل هذه المدينة شعار «لا وقت للضجر» حيث تخبئ للصغار مفاجآت عديدة وتضمن لهم المتعة والفائدة والمغامرة، فهناك دائمًا ما يمكن اكتشافه في هذه المدينة مثل برج التلفزيون في ساحة «الكسندر بلاتس» وقبة البرلمان الألماني، والمنطاد الموجود قرب نقطة التفتيش في «شارلي» ويمكن للصغار والكبار مشاهدة المدينة من علو كما تشاهدها الطيور، وتقدم المدينة الإثارة والمغامرات في رحلات القوارب أو بسيارات الأجرة الصغيرة ذات الثلاث عجلات، كما أن التجول بالدراجات الهوائية وسيلة مأمونة ومتاحة في ممرات مخصصة، إضافة لعروض هيئة التسويق السياحي وجولات المشي على الأقدام، ويتمكن الأطفال فيها من مشاهدة المدينة عبر «ثري دي» وتتاح زيارة السكك الحديدية المصغرة «لوكس» لكل أفراد العائلة، حيث يوجد أكبر نماذج السكك الحديدية في العالم التي تسير رقميًا. وفيما يتعلق بالمتاحف هناك عبارة ألمانية تستخدم كشعار لزيارة المتاحف وهي «من لا يسأل يظل أحمق». فالمتاحف تحفز جيدًا على الزيارة وهي متنوعة جدًا وخصوصًا للأطفال، فهناك متحف الشبيبة «يوغنيد ميويوم» ومركز العلوك ساينس سنتر سبيكترم التابع للمتحف الألماني للتكنولوجيا، وأيضًا المتحف التفاعلي العلمي الذي يتيح للأطفال المعرفة من خلال اللمس وتوجيه الأسئلة والقيام بالتجربة، ويتم تشجيعهم على ذلك، وهناك متحف «مدام تسو» للشمع  الذي يضمن المتعة لزواره. وفي المدينة منتزه للحيوانات ويتيح للأطفال العناية بها وإطعامها ومداعبتها، كما تنتشر الحدائق المائية والسمكية، ورحلات السفاري،كما أن البحيرات والجبال مهيئة للرحلات والجولات والاكتشاف والمغامرة، إضافة إلى أن المدينة تتحقق فيها العديد من البنود الخاصة بحقوق الطفل، فالتعليم إلزامي والرعاية الصحية مهيأة والمشاركة العامة والتفاعل مع برامج التطوع والمجالس البلدية متاح للأطفال والشبيبة.

الشارقة: من خلال التشجيع على الرضاعة الطبيعية أعلن حاكم الشارقة الشيخ سلطان القاسمي حاكم الشارقة، أن هذه الإمارة أول مدينة صديقة للطفل في العالم بعد اعتمادها أربع مبادرات تطبق للمرة الأولى، فرسميًا تضم الشارقة الآن 140 جهة ومؤسسة ومرفقًا صديقًا للطفل، وتم رفع نسب الرضاعة الطبيعية في الشهور الستة الأولى من عمره من 18% قبل المبادرة إلى 40% بعدها لتقترب من الهدف العالمي وهو 60%، وأطلقت الجهات التي تم اعتماد صداقتها للطفل شعار «بداية صحيحة لمستقبل أفضل»،  وأعلنت الشيخة بدور القاسمي أن رعاية الطفل تبدأ من رعاية الأم، وتم الإعلان عن إجازة الأمومة ثلاثة أشهر إضافة لشهر الإجازة السنوية تشجيعًا للمرأة على الالتحاق بالعمل مع إلزام الجهات الحكومية والأهلية بحضانات تابعة للعمل في كل مرفق، مشيرة إلى أن هذه الإجراءات تسهل على الأمهات الرضاعة الطبيعية كيلا يبدأن بإطعام الأطفال الرضاعة الصناعية نظرًا لانشغالهن بالعمل وأنه على المكان العام أن يتحمل جزءًا من المسؤولية تجاه المجتمع بأن يصبح صديقًا للطفل، وهذا سيقلل من المتاعب الصحية والنفسية ويدعم الأم العاملة ويضاعف إنتاجيتها في العمل.

 

المصدر: مجلة المعرفة