لكل طفل الحق في فرصة عادلة في الحياة

حياة ومستقبل ملايين الأطفال في خطر. لدينا خيار: أن نستثمر الان في أكثر الأطفال تعرضًا للاستبعاد او أن نُخاطر بعالم غير عادل وأكثر انقساما.

لكل طفل الحق في فرصة عادلة في الحياة. ولكن في جميع أنحاء العالم، هناك الملايين من الأطفال المحاصرين في دورة أجيال من الحرمان والتي تهدد مستقبلهم - ومستقبل مجتمعاتهم.

أعدت أمينة وجبة مؤلفة من أطباق متعددة لأسرتها في ظهر أحد أيام الجمعة، ومن بينها حساء العدس، والأرز، وخضار، وقرع، ودجاج بالكاري وسمك بالكاري (وهذا هو الطبق الذي تفضله ابنتها حفصة). إلا أن أن حفصة لا ترغب بالجلوس على المائدة مع البالغين؛ وتفضل أن تذهب خارج البيت كي تلعب. لذا فإنها تجعل من تناول الطعام لعبة من الألعاب، إذ تختبئ تحت الطاولة كي تتجنب أكل الخضروات. وفي نهاية المطاف، تستسلم أمينة أمام عناد ابنتها، إلا أنها تصر أن تشرب كوب حليب بأكمله قبل أن تسمح لها بالخروج للعب مع أطفال الحي. 

تتألف هذه الأسرة المحدودة الدخل من خمسة أفراد، وتعيش في شقة متواضعة مؤلفة من غرفتي نوم، وتبلغ أجرتها 64 دولار شهريا، أي ما يعادل ثلث الدخل المشترك الذي يكسبه والد حفصة وجدّها. إلا أن هذا الدخل يكفي لتوفير وضع يتسم بالحب والرعاية لتنشأ فيه حفصة. تتحول غرفة النوم الخاصة بوالدي حفصة كي تصبح غرفة لعب في ساعات النهار، وهي مزينة بحلى معلقة من سقف الغرفة بألوان قوس القزح، وثمة دمى لحيوانات مرتّبة في زاوية الغرفة. أتمّت أمينة تعليمها لغاية الصف الثامن فقط، وهي تسعى جاهدةً كي تضمن أن تنشأ ابنتها في بيئة حافزة على التعلم. وفي كل ليلة قبل موعد النوم، تقوم الأم وابنتها بتسميع الأحرف الأبجدية باللغتين البنغالية والإنجليزية، كي تتمتع حفصة بتأسيس تعليمي قوي عندما تدخل المدرسة. 

لا يوجد أي جانب فريد أو غير عادي في وضع حفصة. وهي ببساطة تتمتع بالحقوق الأساسية التي يجب أن تتوفر لكل طفل: الأمان، والصحة، واللعب، والتعليم.

وهناك ملايين الأطفال في جميع أنحاء العالم محرومون من هذه الحقوق ومما يحتاجونه كي ينشأوا أصحاء وأقوياء – وذلك بسبب مكان ولادتهم؛ أو بسبب انتمائهم العرقي أو الإثني أو بسبب جنسهم؛ أو بسبب إصابتهم بإعاقة؛ أو لأنهم يعيشون في الفقر.

الحلقة المفرغة للاستضعاف

تقطن ريكسونا بيجوم في الريف، وهي تجلس لتناول وجبة مؤلفة من الأرز والبطاطا والكاري مع ابنتيها موريوم، 6 سنوات، وسميّة، 5 سنوات.

وعلى العكس من أمينة، لا تضطر ريكسونا لاسترضاء طفلتيها كي تأكلا طعامهما، فهما تأكلان الوجبة بأكملها، وعندما تنتهيان من الأكل، تتوجه موريوم إلى البحيرة التي تكسوها الطحالب والقريبة من منزلهم المصنوع من الطوب الطيني، وتقوم بغسل الأطباق.

ومنذ فترة قريبة، قال الأخصائيون الطبيون في العيادة القريبة إن سميّة تعاني من سوء التغذية. وكانت ريكسونا تعلم وقبل أن يخبرها الطبيب بأن الوضع الصحي لابنتيها ليس جيداً، فبوسعها أن ترى ذلك في الهزال البادي عليهما ومن قلة حيويتهما. فهما لا تبدوان كأطفال الجيران الذين وصفتهم ريكسونا بأنهم "أصحاء وأقوياء".

ينبع جزء من المشكلة من عدم توفّر إمكانية وصول يسيرة للمياه النظيفة للأسرة. فأقرب مصدر لمياه الشرب يبعد مسافة كيلومتر، وظل حتى فترة قريبة يوفر مياه غير نقية. ونتيجة لذلك، عانت موريوم وسمية من عدة نوبات من الإسهال، مما فاقم معاناتهما من سوء التغذية. وإذا لم تتحسن حالة سمية فستعاني من توقف النمو، مما سيؤدي إلى تأثيرات طويلة الأجل وغير قابلة للعلاج على نموها البدني والإدراكي.
وبناء على نصيحة من العيادة الصحية، بدأت ريكسونا بإضافة المزيد من الخضروات في الطعام الذي تطبخه، وكثيرا ما تستخدم الأوراق الخضراء التي يلقي بها جيرانها. كما استثمرت في شراء خمسة صيصان دجاج، كي تتمكن ابنتيها من أكل البيض. إلا أنها وببساطة لا تملك موارد كافية كي تتبع جميع التوصيات الغذائية التي حصلت عليها من العيادة. 

تبذل ريكسونا كل ما في وسعها كي تعيل أطفالها. وعندما لا تكون في البيت لتقديم الرعاية لهم، تكون في العمل في بيوت الناس الآخرين، تمسح الأرضيات وترمم الجدران الخارجية بطبقة جديدة من الطين. وحتى مع الدخل الذي يجلبه زوجها وابنها اللذان يعملان عمال مياومة، ليس بوسعها تحمل كلفة مواد غذائية أساسية من قبيل اللحم والسمك والبيض. 

إن هذا الفقر الذي يقيّد قدرة ريكسونا على إطعام ابنتيها غذاء ملائما، هو ما ظل يحدد الخيارات المتوفرة لها منذ طفولتها. فقد نشأت في أسرة فقيرة ولم تتمكن من الالتحاق بالمدرسة إلا إلى الصف الرابع. أما زوجها والذي نشأ في أسرة أكثر فقراً فلم يتمكن من الالتحاق بالمدرسة أبداً. وظل يعمل منذ كان ولداً صغيراً كي يساعد أسرته. وعلى الرغم من كل ما تفتقر إليه أسرتها، إلا أن ريكسونا تقول إن أوضاعها الآن أفضل مما كانت عليه في طفولتها، "لقد كانت حياتنا أكثر صعوبة، ولم تتوفر لنا الكثير من الفرص".

وتحلم ريكسونا بطموحات بسيطة لأطفالها. وتقول، "أريد لأطفالي أن يكونوا متعلمين وأن يكونوا أشخاصاً طيبين. وسأساعدهم على إتمام الدراسة إذا كان ذلك بوسعي". بيد أنها غير متأكدة ما إذا كانت ستتمكن هي وزوجها من توفير الحقوق الأساسية لأطفالها. فابنها البالغ من العمر 15 عاماً يعمل عامل مياومة بدوام كامل.   

وحتى مع توفر ثلاثة مصادر دخل للأسرة، تكافح ريكسونا وزوجها لتوفير أساسيات الحياة لأطفالهما – بداية صحية، وتغذية جيدة وتعليم. ولكن إذا لم تحصل أسرتها على دعم إضافي، فعلى الأرجح أن الطفلتين سترثان الحرمان الذي عانى منه الأبوان – ومن ثم ستمرران بدورهما هذا الحرمان لأطفالهما.

وستصبحان جزءاً من حلقة مفرغة عابرة للأجيال تقيّد فرص الأطفال وتعمّق انعدام المساواة وتهدد المجتمعات في كل مكان.
يجد الأطفال من الأسر الأشد فقراً، مثل سميّة، أنفسهم عالقين في حلقة من الاستضعاف، وكأنه مكتوب عليهم أن يعانوا من مستوى مرتفع من خطر التعرض للأمراض والجوع والأمية والفقر، وذلك بسبب عوامل خارجة تماماً عن سيطرتهم. وتزيد معدلات الوفاة بينهم قبل بلوغهم سن الخامس بمقدار الضعفين مقارنة مع الأطفال من الأسر المعيشية الغنية، وهناك أرجحية أكبر، وفي أماكن عديدة، بأن يتعرضوا لتوقف النمو. إضافة إلى ذلك فإن فرصهم في إتمام تعليمهم تقل كثيراً عن فرص نظرائهم من الأسرة المعيشية الغنية. وبالتالي فإن الذين يتمكنون من النجاة من هذه البداية الصعبة سيجدون فرصاً ضئيلة كي يخرجوا من إسار الفقر الذي عانى منه أهلهم، وأن يتمكنوا من تشكيل مستقبلهم.

ALT

كيف نقرر كسر هذه الحلقة

هذه الحلقة المفرغة ليست قدراً محتوماً. ويمكننا أن نقرر تغييرها. وثمة استراتيجيات ثبت نجاحها من أجل الوصول إلى الفئات التي يصعب الوصول إليها ولتوسيع الفرص لها. وعندما تضع الحكومات سياسات وبرامج وتحدد أولويات الإنفاق العام التي تستهدف الأطفال الذين يعانون من أشد الحرمان، فبوسعها حينها أن تحقق تحولاً في حياة هؤلاء الأطفال ومجتمعاتهم. ولكنها حينما تفشل في التركيز على تلبية احتياجات الناس الأكثر عرضة للتهميش، فإنها تخاطر بتكريس انعدام التفاوت لأجيال عديدة مقبلة.

يشكل الأطفال حوالي نصف عدد الأشخاص الذين يعيشون على أقل من 1.90 دولار يوميا في جميع أنحاء العالم والذين يبلغ عددهم حوالي 900 مليون شخص. وتعاني أسرهم لتغطية كلفة التغذية والعناية الصحية الأساسية اللازمة لتوفير انطلاقة قوية لهؤلاء الأطفال. وتترك أوجه الحرمان هذه تأثيراً مستمراً؛ ففي عام 2014، عانى حوالي 160 مليون طفل من توقف النمو.
وعلى الرغم من التقدم الكبير في معدلات الالتحاق بالمدارس في أجزاء عديدة من العالم، إلا أن عدد الأطفال من الفئة العمرية من 6 سنوات إلى 11 سنة من غير الملتحقين بالمدارس ازداد منذ عام 2011. وهناك حوالي 124 مليون طفل ومراهق غير ملتحقين بالمدارس، كما أن اثنين من كل خمسة أطفال يُتِمُّون مرحلة الدراسة الأساسية دون أن يتعلموا القراءة والكتابة وإجراء العمليات الحسابية البسيطة، وذلك وفقاً لبيانات عام 2013. ويتفاقم هذا التحدي من جراء الطبيعة المطولة على نحو مطرد للنزاعات المسلحة. ويوجد حوالي 250 مليون طفل يعيشون في بلدان ومناطق متأثرة بالنزاعات المسلحة، وهناك ملايين غيرهم يتحملون العبء الأكبر الناتج عن الكوارث المرتبطة بالمناخ وعن الأزمات المزمنة. 

وهذا المصير ليس أمراً محتوماً. 

فمن خلال تغيير الأولويات وتركيز جهود أكبر ومزيد من الاستثمار لمصلحة الأطفال الذين يواجهون أكبر التحديات، بوسع الحكومات والشركاء الإنمائيين أن يتحققوا من أن كل الأطفال، بمن فيهم الذين يعيشون في الفقر مثل سميّة، يحصلون على فرصة عادلة لتحقيق إمكاناتهم الكاملة – وتحقيق مستقبل يرسمونه هم بأنفسهم. 

المصدر: اليونيسف